للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَفعلونَ، ومعلوم إذا قُلْنَا: إنَّهَا مَفْعُول مطلَقٌ فإن المُشَارَ إليه يَكُون مصدرًا مناسبًا لسياقِ الآيَةِ، ففي قوله تَعَالَى: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: ٣٤]، نَقُول: أي مثل ذلك الفِعْل نَفْعَل بالمجرمينَ، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} أي: مثل ذلك الضربِ يضرب الله الأمثال، وَعَلَى هَذَا فقِسْ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدَة الْأُوْلَى: أَنَّهُ يجوز لِلْمُسْتَشِيرِ أنْ يخالفَ المستشارَ إذا لم يرَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِي مشورته؛ لِأَنَّهُم لمَّا ذَكَرُوا ما يَدُلّ عَلَى أَنَّهُم يُريدونَ قِتالَه وهي لا تراه خالَفَتْهُمْ، فإنها {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.

الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: حَزْم هَذِهِ المَرْأَةِ أيضًا من جهةِ أَنَّهَا نظرتْ فِي العواقبِ؛ لِقَوْلِها: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}، وهَكَذَا يَنبغي للعاقلِ ألا يحكُمَ عَلَى الأُمُورِ بِبَوَادِرها وظواهرها، وإنما يُحْكَم عَلَى الأُمُورِ بعواقبها، فإنَّ الشَّيْءَ قد تكُون بوادره وظواهره مفيدةً فِي نظرِ الْإِنْسَان، ولكِن عندَ التأمُّل يَكُون الأَمْر بالعكسِ، لكِن هل الأَولي المبادرة أو التأني؟

فِي الأَصْل التأنِّي أَولى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان إذا تأنَّى لا يَنْدَم، ما فعل شيئًا، لكِنْ إذا تَسَرَّعَ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عُرْضَةً لِلنَّدَمِ، وكم من كلمةٍ قَالَ الْإِنْسَان: لَيْتَنِي لم أَقُلْهَا، وكم من فعلٍ قَالَ: ليتني لم أفعلْه، ولكِن مَعَ هَذَا ينبغي استعمالُ الحزمِ فِي الأُمُورِ، لا يتأنى تأنيًا يفيدُ المقصودَ ولا يتسرَّع تسرُّعًا يَحْصُلُ به الندمُ، وقد أنشدَ الشاعرُ بيتينِ فِي هَذَا المَعْنى فِي أَنَّهُ قد يَكُون التسرُّع أَولى وقد يَكُون التأنِّي أولى (١):


(١) خزانة الأدب للحموي (١/ ٣٥٧).

<<  <   >  >>