للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولها: {أَعِزَّةَ أَهْلِهَا} سواء كانت هَذِهِ العِزَّة تعودُ إِلَى المُلك، أو تعود إِلَى الجاهِ والشرفِ، أو إِلَى العلمِ أحياناً، فإنهم يُسَلَّطُونَ عَلَى الأَعِزَّة؛ لِأَنَّ لهم الكلمةَ فيما سبقَ، فهم الَّذِينَ دَبَّروا هَذِهِ الحروبَ ثُمَّ هُزِموا، فتكون رَحَى الحربِ عليهم.

قوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} هل هَذَا من كلامِ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تصديقاً لقولِها، أو هُوَ من كلامِها تقريرًا له، وتكون فِي أوَّلِ الأَمْرِ ذكرتْ قاعدةً عامَّةً ثُمَّ أشارتْ إِلَى ما تَتَوَقَّعه من سُلَيْمَان فقالت: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أي: كذلك يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلُوا بالكتابِ؟

المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى أَنَّهُ مِن كلامها، وَيكُون ذلك تقريراً للقاعدةِ الَّتِي ذكرتها: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}؛ لِأَنَّ هَذَا عامٌّ، ثُمَّ قالت: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} تقريرًا لهَذِهِ القَاعِدةِ وتطبيقًا لها عَلَى حالِ سُلَيْمَان وجنودِهِ.

أمَّا إذا قُلْنَا بأنها من كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، فتكون الجملة مستأنفةً، أي: أن الله يُقَرِّر ما قالتْه، بأن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزَّةَ أهلها أذلَّةً.

وقولها: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} كيف جاءت بصيغةِ الجمعِ، مَعَ أن الكتابَ {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}؛ لِأَنَّهَا عرفتْ أن سُلَيْمَان مَلِك، والملك لَا بُدَّ له من أتباعٍ وجنودٍ وأعوانٍ؛ ولهَذَا قالت: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، وإعراب: {وَكَذَلِكَ} -وما أكثرَ ما تأتي فِي الْقُرْآن، نحو {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: ١٧]، - يَقُولُونَ: إن الكاف هنا بمعنى مثل، وإنها تقعُ فِي محلّ نصب مَفْعُولًا مطلقًا مضافًا إِلَى اسْم الإشارةِ، أي: ومثلَ ذلك الفِعْل يفعلونَ. وقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} أي: ومثلَ ذلك الضربِ يَضرِب الله الأمثالَ، فالكافُ هنا اسْم بمعنى مثل فِي محل نصب عَلَى أَنَّهَا مَفْعُول مطلق مضاف إِلَى اسمِ الإشارةِ، فيَكُون تقدير الآيَةِ: ومثل ذلك الفِعْل الَّذِي ذكرت

<<  <   >  >>