إِنَّمَا فقط يَكُون الْإِنْسَان مُرَتَّبًا مُنَظَّمًا لا يَدَع وَقْتَه فَوْضى، فيقرأ الْآنَ فِي هَذَا الكتاب سطرًا ثُمَّ يَدَعه لِيقْرَأَ فِي الكتابِ الثاني ويدعه، أو يعمل هَذَا العَمَل ويبدأ به ثُمَّ يَتْرُكه، فيَنبغي أن يَكُونَ عِنْدَه تنظيمٌ، ومنَ المُسْتَحْسَنِ أَنَّهُ كلَّما كَانَ الشَّيْء أهمّ يبدأ به أوَّلًا.
وكَانَ بعض النَّاس يَقُولُونَ: إِنَّهُ من جُملةِ تنظيمهم يجعل قراءة الجرائد والصحف إذا تغدَّى، ويَجعل قراءةَ الكتبِ الهامَّة الَّتِي تحتاج إِلَى تعبٍ بعدَ الغداءِ؛ لِأَنَّ قراءةَ الصحفِ قراءةٌ سَطحيَّةٌ مثل التحدُّث العادي، ولَيْسَ فيها تعبٌ. لكِن الكتب فيها تَعَمُّق فتحتاج إِلَى عملٍ، وهَذَا لا يناسبُ مَعَ وجودِ الشِّبَعِ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدَة الْأُوْلَى: أن سُلَيْمَان عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قد نَظَّمَ جُنُودَهُ ورَتَّبَهُم بحيث يُجمَعون عندَ الجمعِ ويُفَرَّقُون عند التفريقِ، لِقَوْلِهِ:{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ}.
الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الجنود الَّذِينَ يَسْتَصْحِبُهُمْ سُلَيْمَان ثلاثةُ أصنافٍ، وهم: الجِنُّ والإنسُ والطيرُ، أَمَّا الإنس فاستصحابُه لهم ظاهرٌ؛ لِأَنَّهُ منهم، وَأَمَّا الجنُّ فلاستخدامِهِمْ فيما لا يَقْدِرُ عليه الْإِنْسَانُ، وَأَمَّا الطيورُ فقال بعضُ العُلَماءِ: إنَّهَا تَصْحَبُهُ لِتُظِلَّهُ، فتكون فوق رأسِهِ ظُلَّةً منَ الشَّمْسِ، وهَذَا قد يَكُون مقصودًا، وقد يَكُون أيضاً من مقصودِ استصحابِ الطيرِ أَنَّهَا تأتيه بالأخبارِ البعيدةِ كما فِي قِصَّة الهُدْهُد.