للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ فِي الحقيقة قاعدة: حذف ما يُعْلَم جائزٌ.

والإيجاز فِي قوله تَعَالَى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} وألق عصاكَ فألقاها. فهَذِهِ جملة محذوفة وليستْ تفسيرًا؛ لِأَنَّ قوله: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} تفسيره: ضَعْ عصاك، ولو أخذنا الآيَة عَلَى ظاهرها لكانتِ العَصَا تَهْتَزّ وهي بيدِهِ قبلَ أنْ يُلْقِيَها، يعني لمّا أمر أن يلقيَ عصاه اهتزتْ، فالآيَة لَا بُدَّ فيها من شيءٍ محذوفٍ: فألقاها فإذا هِيَ تَهْتَزّ.

قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تَتَحَرَّك]، ولكِن تفسير الاهتزاز بمطلَق التحرُّك فِيهِ نظرٌ؛ لِأَنَّ الاهتزازَ أبلغُ مِنَ التحرُّك، كَأَنَّ الاهتزاز فِيهِ نوعٌ من الْقُوَّة والاضطرابِ.

قَالَ المُفَسِّر -رَحَمَهُ اللَّهُ-: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حَيَّة خفيفة]، وَقِيلَ: حيَّة عظيمة، وَقِيلَ: الجانُّ: الذَّكَر منَ الحيَّات، وأيًّا كَانَ فإنَّ هَذِهِ العَصَا الَّتِي كانت بيده صارتْ حيَّةً تَهتزُّ وتتحرَّك وتَضْطَرِب مثل الجانّ، يَعْنِي الحيَّة العظيمة، والدَّلِيل عَلَى أن المُرادَ بالجانّ الحيَّة العظيمة: قوله تَعَالَى فِي سورة طه: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: ٢٠]، والقِصَّة واحدة، فالجانّ من الأسماء المشترَكَة.

قوله: {وَلَّى مُدْبِرًا}: {وَلَّى} هَذِهِ جواب {لَمَّا}، {مُدْبِرًا} حال، {وَلَّى مُدْبِرًا} يَعْنِي: هاربًا، ولهَذَا يَقُول: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}، قَالَ المُفَسِّر -رحمه الله-: [يرجع]، وقد ولَّى خوفًا من هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا بطبيعةِ البشرِ أنَّ الْإِنْسَان إن ألقى عصاه وصارت حيَّةً تَسعى لَا بُدَّ أن يخافَ، لا سِيَّما وَأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما علِم أَنَّهُ سَيُرْسَل وَأَنَّهُ رسول، إِنَّمَا كلَّمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى وإلى الآنَ ما حَصَلَ شَيْء.

فالحاصل: أنَّ هَذِهِ طبيعة البشرِ، لَا بُدَّ أن يُوَلِّي، وَلَيْسَ فِي هَذَا نقصٌ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِأَنَّ الأُمُور البشريَّة تَعترِي الرسُلَ وغيرَهم، ولهَذَا كَانَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - يَنسى فِي أعظم

<<  <   >  >>