لكِن لو أنَّنا علِمنا أن العقوبةَ تخصّ العاملَ ما استقامَ الأَمْرُ بالمعروفِ ولا النهيُ عن المنكَرِ، ولذلك يَجِب أن يَكُونَ خوفُ الْإِنْسَانِ من معاصي غيرِه كخوفِهِ من معاصي نفسِهِ؛ لِأَنَّ العقوبةَ واحدةٌ إذا نزلتْ عمَّتْ، بل إن المَعاصِي -سبحان الله- كالدُّخَان يُصْرَعُ مَن شَمَّهُ وإنْ لم يكنْ فِي بيتِهِ، ولذلك معاصي النَّاس اليومَ أثَّرت حَتَّى في أهلِ الخيرِ البعيدينَ منهم، يعني أهل الخير لو سألتهم وقلت: هل تجدون فِي قلوبكم ما كنتم تجدونه قبلَ سنواتٍ من الإنابةِ إِلَى اللهِ والخشوعِ والخضوعِ ومحبّة الخير؛ لو سألتهم لأجابوا: لا. دعنا من النَّاس الَّذِينَ ماتوا قبل ثلاثينَ سنةً أو أكثر، فهَؤُلَاءِ معلوم أَنَّهُم سلِموا من هَذِهِ الفتنةِ، لكِن حَتَّى الموجودون الْآنَ قلوبهم قبلَ نحو ثلاثين سنة أصلح بكثيرٍ منَ اليومِ، مَعَ أنّ حالَهم هِيَ هي، فتجد الْإِنْسَان مثلًا فِي مَسْجِدِهِ إمامًا ولم يَلْتَفِتْ للدُّنيا ولم يَشْتَغِلْ بها، وتجد الْإِنْسَان مثلًا فِي أهله لا يَلْتَفِت إِلَى أحد غيرهم، ومع ذلك تأثَّرت القلوب؛ لِأَنَّ المَعاصِيَ مفاسدُ مهما كانتْ، ولكِن مَعَ هَذَا قد يأتي الله تَعَالَى ببركانٍ عظيمٍ يُفَتِّت هَذِهِ الأَشْيَاء، ويُقَيِّض الله تَعَالَى للأُمَّة الإِسْلاميَّة طائفة منصورةً ظاهرةً، فتبدّل كُلّ هَذَا الأَمْر، ولهَذَا لَا بُدَّ من عملٍ، فالركودُ لا يَنْفَع، والركود لَيْسَ فِيهِ سلامة أبدًا، فلَا بُدَّ من العَمَلِ، ولكِن عَلَى هدى مستقيم وبحكمة بالغةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يضرُّ الدعاةَ إِلَى اللهِ الْآنَ واحدٌ من أمرينِ: إمَّا جهلٌ أو سَفَه، يعني إمَّا أَنَّهُم لَيْسَ عندهم علمٌ بَيِّن راسخٌ، فتجدهم يحرِّمون ما أحلَّ الله، ويُوجِبون ما لم يُوجِبْه اللهُ، مثلما يَصْدُر من بعض الإخوانِ الَّذِينَ يَتَشَدَّدُونَ فِي الأُمُورِ، ويحرِّمون ما أحلَّ الله أو يُوجِبُون ما لم يُوجِبْه اللهُ، وهَذِهِ مفسدةٌ عظيمةٌ، أو يَكُون عندهم سَفَهٌ، يعني لَيْسَ عندهم حِكمة فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، فيَكُون عندهم تَسَرُّع وعُنْفٌ أو تباطؤٌ فِي غيرِ مَوْضِعِه، ففي الأوَّل يَحْصُل ردُّ فعلٍ عنيف من