والدَّلِيل عَلَى ذلك أَنَّهُ لو كَانَ المُراد بالتبديل ظاهر معناه: فما صح أن يعبر بِقَوْلِهِ: {بَعْدَ سُوءٍ}، لو كَانَ كذلك لقال: بدَّل حسنًا بسوء، وما قَالَ:{بَعْدَ}، فلما قَالَ:{بَعْدَ سُوءٍ} عُلِمَ أن بَدَّل هنا بمعنى استبدلَ، واستبدل بمعنى أخذ، قَالَ تَعَالَى:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}[البقرة: ٦١]، وأخذ مثلَما قَالَ المُفَسِّر بمعنى: أتى.
والمَعْنى من الآيَة الكَريمَة أنَّ مَنْ أتى حُسنًا بَعْد سوءٍ فإن هَذَا الحسنَ ينفي السوءَ، ولهَذَا قَالَ:{فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَعْنِي: أغفِر له.
جملة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما مُطابقتها للشرطِ؟ لِأَنَّ قوله:{مَنْ ظَلَمَ} إعرابه: (من) اسْم شرط جازِم وليست اسمًا موصولًا مستثنى، لِأَنَّ الاستثناء هنا منقطع، و {ظَلَمَ} فعل الشرط، وجملة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} جواب الشرط.
أقول: لَوْ قَالَ قَائِل: ما وجه ارتباط الجوابِ بالشرطِ؟
فالجواب: أنه لما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى هذين الاسمين فِي قوله تَعَالَى: {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَإِنَّهُ يريد مُقتضاهما، فمقتضى المغفرةِ أن يَغْفِرَ لهَذَا الَّذِي ظلم ثُمَّ بدَّل حسنًا بَعْد سوءٍ، ومُقتضى الرَّحْمَةِ أيضًا أن يرحمَه.