ثانيًا: أَنَّهُ بتفسير هَذَا يُفَوّتُ معنًى دلَّتْ عليه الآيَةُ، وهو: كِتمانهم لهَذِهِ الآيَاتِ لو سُئِلوا عنها، يعني أَنَّهُ فوَّت معنًى وَهُوَ الجحود عند السؤالِ، فَهُوَ تكذيبٌ عند العرضِ، وجحود عند الطلب؛ لِأَنَّ كون الْإِنْسَان لا يُقِرّ لَيْسَ مثلما إذا جحد وكتمَ عن غيم. فالصَّوابُ إبقاء الآيَةِ عَلَى ما هِيَ عليه، ويقالُ: إِنَّهُ عُدّيَ الجحدُ بالباءِ لِتَضْمِينِهِ معنى التكذيبِ، وَيكُون دالًّا عَلَى أمرينِ: عَلَى إخفائِها عندَ طلبِها، وَعَلَى التكذيبِ بها عند عَرْضِها.
ولا حاجة أنْ نَقُولَ: إن الآيَةَ أبلغُ مما ذكر المُفَسِّر رَحَمَهُ الله لَكِنَّنا نَقُول: إن تفسيرَ المُفَسِّر لها فِيهِ نظرٌ من وجهينِ كما تَقَدَّمَ.
قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [{وَ} قَدِ {اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}، فما الَّذِي أوجبَ له أنْ يُقَدِّرَ (قدْ)؟
نَقُول: لِأَنَّ الجملةَ حالِيَّة، والجملةُ الحاليَّة إذا كانتْا فعلًا ماضيًا يُقَدَّر فيها (قد) للتحقيقِ.
قال رَحمَهُ اللهُ: [{وَ} قَدِ {اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أي: تَتقَّنُوا أَنَّهَا منْ عندِ اللهِ]، ففسَّرَ استيقنَ بِتَيَقَّن؛ إشارة إِلَى أنَّ حرفي السين والتاء زائدانِ، ولكِن الأَولى أن يبقى السين والتاء عَلَى بابهما ولا يُحْكَم بِزِيَادَتهِما؛ لِأَنَّ الاستيقانَ أبلغُ مِنَ التيقّنِ، ومنَ المعروفِ عندهم أَنَّهُم يَقُولُونَ: زيادة المبنى تدلُّ عَلَى زيادةِ المَعْنى، فالاستيقانُ أبلغُ، فهمْ قدِ اسْتَيْقَنُوها استيقانًا كاملًا لَيْسَ عندهم فيها شكٌّ، ومعَ ذلكَ جَحَدُوا بها، فيَكُون هَذَا الجحدُ مَعَ الاستيقانِ أبلغَ، ولهَذَا قَالَ:{ظُلْمًا وَعُلُوًّا} إِلَى آخرِهِ.