وقوله تَعَالَى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} ولم يقلْ: واسْتَيْقَنُوها. فإضافةُ الاستيقانِ إِلَى النفسِ أبلغُ، أي: أَنَّهُ يَقِينٌ بلغ نفوسهم حَتَّى تمكَّن منها، ومعَ ذلك - والعياذُ باللهِ - جَحَدُوا بها وأَنْكَرُوها.
وقوله:{ظُلْمًا وَعُلُوًّا} يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [تَكَبُّرًا عنِ الإِيمانِ بما جاء بما موسى]، ففَسَّرَ الكلمتينِ بكلمةٍ واحدةٍ وهي التكبُّرُ، ولكِن أيضًا لو نَظَرْنَا إِلَى الإلةِ الكَريمَةِ وَجَدْنَا أَنَّهَا أبلغُ مِمَّا فَسَّرَهَا به.
قوله:{ظُلْمًا} الظُّلمُ فِي الأَصْلِ النقصُ، ومنه قوله تَعَالَى:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}[الكهف: ٣٣]، ومعنى {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ} أي: لم تَنْقُص، فالأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ بمعنَى النقصِ، وكلُّ مَن نَقَصَ حَقَّ غَيْرِهِ فَهُوَ ظالم. وإذا نقصَ الْأِنْسَانُ حقَّ نَفْسِه فَهُوَ ظالمٌ لها، وإذا نقصَ حقَّ غَيْرِهِ فَهُوَ ظالمٌ له. وهنا هَؤُلَاءِ نَقَصُوا حقَّ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فهم ظالمونَ، وَنَقَصُوا حقَّ أَنْفُسِهِم حَيْثُ لم يقودوها إِلَى ما فِيهِ صَلَاحُها؛ فهم أيضًا ظالمونَ.
ثمَّ هَذَا الظُّلْم والنَّقْص ما الحامِلُ عليه؟
قَالَ:{عُلُوًّا} وهَذَا معنًى غيرُ الظُّلْمِ، يَعْنِي: تَرفُّعًا عمَّا جاء به موسى - صلى الله عليه وسلم -، فلِسانُ حالهِم يَقُول: مَنْ موسى هذا الَّذِي يأتي إِلَى فِرْعَوْنَ الَّذِي يقولُ لِقَوْمِهِ: أنا رَبُّكُمُ الأعلى، ثُمَّ يَقُول: أنا رسول إليك لَا بُدَّ أن تتبعني؟ ! فبِطَبِيعَةِ البَشَرِ الفاسقُ يَتَرَفَّعُ ويقول: أبدًا.
فلهَذَا جَحَدُوا ظُلْمًا لموسى وأنفسهم {عُلُوًّا} تَرَفُّعًا عن مُوسَى وعمَّا جاء به أيضًا، فهم - والعياذُ بالله - اتَّصَفُوا بالوصفينِ.