للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {ظُلْمًا وَعُلُوًّا} يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [راجع إِلَى الجحْد]، هذا صحيح، فإذا اسْتَيْقَنُوا أنَّ موسى صادِقٌ فهذا لَيْسَ بظُلْمٍ ولكِنَّه حَقٌّ وعَدْلٌ وتَوَاضُع، لَكِنْ هُمْ مَا اسْتَيْقَنُوا، يَعْنِي: ما انقادوا لهَذَا الاستيقانِ، إذن فَهُوَ راجِع إِلَى الجحدِ، يعني جحدوا بها ظلمًا وعلوًّا.

وفائدة الاعتراض بالجملة الحاليَّة {وَاسْتَيْقَنَتْهَا} بين المتعَلّق ومُتَعَلَّقِه: المُبَادَرَةُ بالتشنيعِ عليهم، وبَيَان أَنَّهُم بَلَغُوا فِي هَذَا الوصف غايتَه، الَّذِي هُوَ وصف الظلمِ والعلوِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهم يَجحَدُونَ مَعَ الاستيقانِ أشدُّ وأعظمُ، فالجاحد مَعَ الشكِّ قد يُعذَر، لكِنْ مَعَ الاستيقانِ لا وجهَ له.

ثم ما إعراب {ظُلْمًا وَعُلُوًّا} هل هِيَ مَفْعُول لأجلِهِ؟ يعني من أجلِ الظلمِ والعلوِّ، أو هِيَ مصدر بمعنى الحالِ، أي: ظالمين عالينَ؟

الأخيرُ أَولى؛ لِأَنَّ الظلمَ والعلوَّ إذا جعلناهما مَفْعُولا من أجلِه فَهُوَ سابقٌ عَلَى الجحدِ؛ إذ إنَّهُم ظَلَمُوا وعَلَوْا ثُمَّ جَحَدُوا، فعلى هَذَا نَقُول: إنّ ظلمًا وعلوًّا مصدرٌ بمعنى اسمِ الفاعلِ، أي: جحدوا بها حالَ كونهم ظالمينَ عالينَ.

قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [{فَانْظُرْ} يا مُحَمَّد ... ]، إِلَى آخِرِهِ.

قوله: {فَانْظُرْ} هل المُرادُ: نظرَ اعتبارٍ أو نظرَ إبصارٍ؟

المُراد: نَظَرُ اعتبارٍ؛ لِأَنَّ نَظَر الإبصارِ هنا مُتَعَذِّرٌ لِسَبْقِ زَمَنِه، لَكِنَّهُ نظرُ اعتبارٍ. والخطاب عَلَى كلام المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ يعود إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَانْظُرْ} يا مُحَمَّد، والخِطاب بالمفردِ فِي الْقُرْآن لا يختصّ بالرَّسُول عَليهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَّا ما دلَّ عليه الدَّليل، وإلَّا فَهُوَ عامٌّ، ويَكُون التَّقْدير: فانظرْ أيها المخاطَب، لَيْسَ يا مُحَمَّد؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بينَ أيدي كُلّ أحدٍ، فكُلّ واحد بين يديه الْقُرْآنُ.

<<  <   >  >>