حكيمٌ، ما يُنْزِلُ هَذَا الشَّيْءَ إِلَّا فِي مَنْزِلَتِهِ وبأَسْبابِهِ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بها، فكأنه يَقُول: ما دام عند الله فالله تَعَالَى حكيمٌ، ما أنزل هَذَا الشؤمَ إِلَّا فِي مَوْطِنِهِ ومَوْضِعِهِ.
قوله:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} هَذَا الإضرابُ لَيْسَ لإبطالِ الأوَّل، ولكِنه للانتقالِ، فهو إضرابٌ انتقاليٌّ، وكما هُوَ معروفٌ أن الإضرابَ يَكُون عَلَى نوعينِ: إضراب إبطاليّ يَكُونُ الحكمُ لمَا بعدَ (بل) ويُبْطِل ما قبلَها، والثاني: إضرابٌ انتقاليّ، مثل هَذا الآيَةِ، ومثل قوله تَعَالَى:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل: ٦٦]، انتقالٌ من شيءٍ إِلَى شيءٍ. هنا الإضرابُ انتقاليٌّ؛ لِأَنَّهُ عند الله يَفْتِنُهُم بما حصل {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}. ووجه الفتنة:
أولًا: أَنَّهُم نَسبوا هَذَا إِلَى صالح ومن معه، وهَذه فتنة عظيمة ضلَّ بها هَؤُلَاءِ.
ثانيًا: أَنَّهُ أصابَهم مَعَ مجيءِ صالحٍ إليهم، فظَنُّوا أو ادَّعوا أن أَسْباب ذلك صالحٌ ومن معَه، ففُتِنُوا بذلكَ فابتعدوا عنِ الحقِّ.
ومثلما تقدَّم قبل قليلٍ بالتمثيلِ بأن يحدثَ مكروهٌ عندَ وجودِ رجلٍ صالحٍ فيُنْسَب هَذَا المكروهُ إِلَى هَذَا الرجلِ الصالحِ، ومجيءِ هَذَا الرجلِ الصالحِ، فيَكُون فِي ذلك فتنة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى حَكيمٌ يَفْتِن الْإِنْسَانَ ويَخْتبره بأنواعِ المفاتنِ، تارَةً بالمصائبِ، وتارَةً بالنِّعَمِ، وتارَةً بالأُمُور الَّتِي تُوجِب الاشتباهَ لِيَمْتَحِنَهُ بذلك، ولهَذَا الدُّنْيا كلها محِنَةٌ، ما دام الْإِنْسَان دائرًا بينَ أمرينِ: إمَّا شرّ وَإمَّا خير، وكُلّ حياتِكَ هَكَذَا شرّ أو خير، وكلاهما يَقُول الله فيه:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأَنْبِياء: ٣٥].
إِذَنْ: معناه انْتَبِهْ يا أيها الْإِنْسَان، انتَبِهْ فالفضلُ: لِيَبْلُوَنِي أأشكر أم أكفر، والمصائب: لِيَبْلُوَنِي أأصبر أم أَجْزَع، والشُّبُهات العلمية الَّتِي تَرِد عَلَى قلب الْإِنْسَان لِيَبْلُوَه هل يَثْبُتُ أو يَزيغ، والمسائل كلها فِي الحقيقةِ فتنةٌ واختبارٌ منَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى،