للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنْ يَكُونَ هُوَ رَكيزةَ مَن يَقُول: إن الموتى يَسمعونَ، بل إنَّنا إذا قُلنا: الموتَى يَسمعونَ، قد نستدلّ بحديثٍ أصحّ مِن هَذَا، وَهُوَ ما ثبتَ عن النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ يزورُ المقبرةَ ويقول: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنيِنَ" (١)، وتوجيه السلام إليهم فِي الخطابِ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُم يسمعونَ، وإلَّا لكانَ يَقُول: السلامُ عَلَى أهلِ الديارِ مِنَ المُؤْمِنيِنَ، ولا يَقُول: عليكم.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إن هَذَا من بابِ قوَّة الاستحضار؟

قُلْنَا: قوَّةُ الاستحضارِ لا تَحتاج إِلَى الدُّنُوِّ، ولهَذَا نحن نَقُول: "السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيِّ" وإن كنَّا بَعيدينَ، ولا يُسَنُّ أن نَقُولَ الْآنَ هنا: السلامُ عليكم أهلَ الديارِ منَ المُؤْمِنيِنَ حَتَّى نَحْضُرَ إليهم، فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُم يسمعونَ.

يَبقى عندنا: إذا كانوا يَسمعون، فما هُوَ الجوابُ عن هَذِهِ الآيَة {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}؟

نَقُول: المُراد بالسماعِ سماعُ القبولِ إذا كَانَ المقصودُ بالموتى موتى القبورِ، أو السماع الَّذِي تَحْصُلُ به الإجابةُ، وسماعُ الإدراكِ الدنيويِّ هَذَا لا يُمْكِن، يعني لَيْسَ سماعُ الميِّتِ لمِا يَتكلَّم به الْإِنْسَان كإدراكِ الحيِّ؛ بل هُوَ سماعٌ لا نعرف كيفيَّته، إِنَّمَا هُوَ سماع لا يمكِن أنْ يُجِيب معه، إِلَّا إذا أرادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى إحياءَهُ وتكلَّم ونطقَ فهَذَا يُمْكِن، مثل صاحب البقرةِ فإنَّ صاحبَ البقرةِ ضَرَبُوه ببعضها فأحياه اللهُ وتكلَّم ومات، ولكِنَّه لم يَتكَلَّمْ ولم يُجِبْ إِلَّا بعدَ أنْ حَيِيَ حَياةً دنيويَّةً ثُمَّ أماته الله.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما وجه الدلالة من حديثِ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا


(١) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يُقَال عند دخول القبر والدعاء لأهلها، حديث رقم (٩٧٤)، عن عائشة - رضي الله عنهَا -.

<<  <   >  >>