صحيح أَنَّهَا هِيَ الحنيفيَّة السَّمحة لَا شَكَّ، لَكِنَّها لها أعمال ولها حَزْم، ولهَذَا التركيز عَلَى الترفيه البدنيّ والنعيم البدنيّ فِي نظري أَنَّهُ خطير؛ لِأَنَّهُ يبدأكُلّ واحد يَنْشُدُ هذينِ الأَمْرينِ: يَقُول: أنا عندي عقيدة سليمة سَمْحَاء لَيِّنة، هَيِّنة، كُلّ شَيْء تَقْبَله، ويقول: أنا أنشد أيضًا رفاهيَةَ البدنِ والأمنَ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. لكِنِ استقامة الدِّين والسعي فِي إقامته بين النَّاس بالأَمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَرِ والجهادِ فِي سبيلِ اللهِ هَذَا أمر لا يكاد يُذْكَر.
وفي الحقيقة أن الرفاهية إذا كانت للبدنِ وحدَه فهي فسادٌ، ولا يَدُومُ هَذَا أبدَّاَ ولا يمكن أن يَدُومَ، عَلَى أنَّ الرفاهيَةَ المطلَقَة للبدنِ لَا بُدَّ أن تكونَ مصحوبةً بقلقٍ فِي القلبِ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى إِنَّمَا ضَمِنَ الحياةَ الطيِّبةَ لَمِن {عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فقَرن بينَ العقيدةِ والعَمَل، وبَدأ بالعَمَل أيضًا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]. حياة طيبة فِي الدُّنْيا وأجر حَسَن فِي الآخِرَة.
هَذَا الَّذِي يَجِب أن يركَّز عليه، أَمَّا الرفاهيَةُ المطلَقَةُ فإنها ضَرَرٌ عظيم عَلَى الْإِنْسَان، تُوجِبُ الغفلةَ عنِ اللهِ تَعَالَى، وانشغال الْإِنْسَان بطلبِ الرفاهيةِ الجسديَّة الزائلة.
يَقُول بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء اللوكِ ما نحنُ فِيهِ لَجَالَدُونا عليه بالسيوف (١). قَالوا: أَعْطُونا الَّذِي أنتم فِيهِ منَ النَّعيم والسرورِ وانشراح الصدر ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(١) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (٧/ ٣٧٠ - ٣٧١)؛ والبيهقي في الزهد الأكبر (٨٠)؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق (٦/ ٣٠٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute