و{عَاقِبَةُ} مؤنث مجازيٌّ لا حقيقيّ، والفرق بين المؤنَّث المجازي والحقيقيّ: ما كَانَ له فَرْج فَهُوَ مؤنَّث حقيقيّ، وما لم يكن له فَرْجٌ وإنما تأنيثه لفظيٌّ فَهُوَ مؤنَّث مجازيٌّ.
وقوله:{عَاقِبَةُ} ما معنى العاقبة؛ العاقبة فِي الأَصْل: التأخُّر، ومنه العَقِبُ فِي القَدَمِ، وعَقِبُ القدم هو العُرْقُوب المؤخَّر، فالعاقبة معناها: الأَمْرُ المتأخِّر، يَعْنِي: انظر ماذا كَانَ من أمرهم فِي النهاية.
وقوله:{الْمُفْسِدِينَ} الَّذِينَ صار شأنهم الإفساد. والمُرادُ بالإفسادِ هنا لَيْسَ إفساد العِمرانِ، فقد يَكُونُ العمرانُ فِي زمنِ فِرعونَ قد بَلَغَ غايتَه، لكِن المُراد بالإفسادِ الإفسادُ المعنويُّ؛ إفسادُ الأخلاقِ والعقائدِ، وربما يَتْبَعُه إفسادُ العمرانِ؛ كما قَالَ الله تَعَالَى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم: ٤١]، وكما قَالَ تَعَالَى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ}[النحل: ١١٢].
وبهَذَا التقرير، وَهُوَ أن الأَصْلَ فِي الإفسادِ الموجودِ فِي الْقُرْآن هُوَ إفساد الأخلاقِ والعقائدِ، ويتبعه فساد الأَعْمالِ، وبهَذَا نَعرِف خطأ ما يُطنطن به النَّاس الْآنَ من الرفاهية والطمأنينة والأمن ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وإذا أتوا إِلَى ذِكر الدين يَقُول: العقيدة السمحاء ولا يُذْكَرُ العَمَل.
ثُمَّ كلمة (السمحاء) أيضًا تدل عَلَى ضعفٍ فِي هَذِهِ العقيدة، فمعنى سمحاء: كُلّ شَيْء تَسْمَح به.