للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معيَّنة، لكِن لا نعرفها نحن، يَعرفها الخُبَرَاءُ.

ثم نحن نعرفها بالبرودة والحرارة، فالشمال باردة، والجنوب حارّة، هَذِهِ مَعْرِفة لَكِنَّها معرفة سطحيَّة، إِنَّمَا هم يَعْرِفونها بدِقَّة؛ بحَيْثُ إِنَّهُ إذا هَبَّتِ الريحُ قَالُوا: هَذِهِ شماليَّة أو جنوبيَّة أو شرقيَّة أو دَبُور، لكِن نَقُول: العلامات الظَّاهرة هِيَ الشَّمْسُ بكلِّ حالٍ، والقمرُ والنجومُ فِي الليلِ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام المَطَر]، هَذَا تفسير لِقَوْلِهِ: {بَيْنَ يَدَيْ} والمطرُ تفسيرٌ للرحمةِ؛ لِأَنَّهُ من آثارِ رحمةِ اللهِ، فسُمِّيَ رَحمةً؛ لِأَنَّهُ من آثارها، وبه تَحْصُلُ الرَّحْمَةُ، فلا أحدَ يستطيعُ أن يرسلَ الرياحَ -سواء كانت رِيحًا عقيمةً أم رِيحَ بُشْرَى بين يدي رحمتِه- إِلَّا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقوله: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} بالجمعِ، والأكثرُ أنَّ الجمعَ يَكُون فِي رياحِ الرَّحْمَةِ، والإفرادَ فِي ريحِ العذابِ، إِلَّا إذا وُصِفَت الريحُ المُفْرَدَةُ بما يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا ريحُ خَيرٍ؛ كما فِي قوله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢].

ثم إن الرياحَ بالنِّسْبَة للفُلْك ليست من مصلحةِ أهله؛ لِأَنَّ الرياح إذا اختلفتْ عَلَى الفُلْك لا يمشي، لا سيما الفلك الأوّل؛ فإن الفُلك الأول يَمْشِي بالهواءِ؛ السُّفُن الشراعيَّة، فإذا اختلفتْ عليه الأهويةُ تَعَوَّق، ولكِن إذا كانت رِيحًا واحدةً صار ذلك أحسنَ، ولهَذَا قَالَ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [يونس: ٢٢].

المهمُّ أن الرياحَ إِنَّمَا تقالُ فِي الغالبِ فِي رِياحِ الرَّحْمَةِ، وَفِي الإفراد فِي ريحِ العذابِ، فهَذَا الغالِبُ، قَالَ تَعَالَى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: ٤١]، وقال تَعَالَى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: ٦]، وأمثال ذلك.

<<  <   >  >>