للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَدٌّ" (١)، وهَذَا أعمُّ مِنَ اللفظِ الثاني: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" (٢) إِلَّا إذا قُلْنَا: مَن أحدثَ فِي ذاتِه وصفاتِه، إذا قُلْنَا: من أحدث فِي أمرنا ما لَيْسَ منه سواء فِي نفسِ العَمَلِ أو فِي وصفِ العَمَلِ صار موافقًا للفظِ الآخَرِ.

عَلَى كُلِّ حَالٍ: العَمَلُ إذا لم يكنْ خالِصًا فليسَ مقبولًا، وإذا لم يكنْ صوابًا، يعني عَلَى السنَّة، فليس مقبولًا وَلَيْسَ بصالحٍ أيضًا، بل هُوَ فاسدٌ.

قوله: {تَرْضَاهُ} الرضا بمعنى القبولِ وكلمة {تَرْضَاهُ} بَعْد قولِه: {صَالِحًا} هل لها معنًى؛ لِأَنَّ كُلّ صالحٍ فَهُوَ مَرْضِيّ، فهل تكون الجملةُ حينئذٍ صفةً كاشفةً مبيِّنةً أو صفةً مقيِّدة؟

الظَّاهرُ أَنَّهَا مُبَيِّنَة، يعني أَنَّ العَمَلَ الصالحَ مرضيٌّ.

قَدْ يَقُوُل قَائِلٌ: إن العَمَلَ قد يَكُونُ صالحاً بظاهرِهِ، ولكِنَّه غير مرضيٍّ فِي مآلِهِ أو فيما صَحِبَهُ، فقد يَعْمَل الْإِنْسَان مخلصًا لله مُتَّبِعًا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لكِن يحصل منه إعجابٌ فِي عملِه، فهَذَا الإعجابُ يَمْنَع مِن رضا اللهِ به، قَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: ١٧]، قد يَكُونُ عَمَلًا صالحًا فِي أوَّله وَفِي نهايتِه لا يرضاه اللهُ، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤]، فالرجلُ يَتَصَدَّقُ بالصدقةِ مُخْلِصًا للهِ تَعَالَى مُتَّبِعًا لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيها لَكِنَّهُ يُتْبِعُها بِمَنٍّ وأذى، فحينَئذٍ تَبْطُلُ


(١) رواه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم (١٧١٨)، عن عائشة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث رقم (٢٥٥٠)؛ ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم (١٧١٨)، عن عائشة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>