ثم إنَّ دعواهم أنَّ الهدهدَ يرى الَّذِي تحت الْأَرْض؛ هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، ادفِنْ حبًّا فِي الْأَرْض واجعلِ الهداهدَ تأتي إليه هل تراه أو لا تراه؟ لا تراه بالتأكيد، إذا لم ترَ الحبَّ القَريبَ كيف ترى المياهَ البعيدةَ.
المهم أن الهدهدَ مثلُ غيرِه يَنْحَجِبُ نورُ عينيه بالكثافةِ فلا يرى شيئًا.
ثم إن سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ بحاجةٍ إِلَى هَذَا، بل إن سُلَيْمَان من هَذِهِ الناحيةِ كغيرِه منَ البشرِ، إن وجدَ ماءً انتفعَ به، وإن لم يجِدْ فإن الله تَعَالَى يُيَسِّر له الماء بأيِّ وسيلةٍ.
قيل: الغرضُ الاستخبارُ، أي يسأل سؤالًا حقيقيًّا، يَقُول: أين الهدهد؟ وَقِيلَ: إنَّهُ استنكارٌ.
والظَّاهر أَنَّهُ لا يَجْهَلُه؛ لِأَنَّ الأَصْلَ فِي الاسْتِفْهامِ الاستخبارُ. قَالَ بعضهم: وَفِي الآيةِ قلبٌ، وإن التَّقْدير:(ما للهدهد لا أَرَاهُ) ولكِن هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، بل الآيَة عَلَى ترتيبها، فَهُوَ يسأل ويقول: لماذا لا أَرَى الهدهدَ؟ هل هناك مانعٌ مَنَعَنِي من رُؤْيَتِه، أو أَنَّهُ كَانَ غير موجودٍ؟ ولذلك أَضْرَبَ عنِ الأوَّلِ وقال:{أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}، و {أَمْ} هو هَذِهِ منقطعة و {أَمْ} المنقطعة - كما تَقَدَّمَ - تكونُ بمعنى (بل) والهمزة، يَعْنِي:(بل أكانَ من الغائبينَ) وحينئذٍ أضربَ عن الكَلامِ الأوَّلِ وعرف أَنَّه لا عِلَّة فِي بَصَرِه، وإنما العِلَّة غَيبة هَذَا الهدهدِ.