بصحيحٍ؛ لأنَّنا نشاهد الْآنَ أن أَشْيَاء تُجْعَل مَعَ غير أجناسها ولا تتعذب، كأن يَكُون عند أحدهم مَوَاشٍ؛ بقر وغنم وإبل ومَعْز وَيكُونون دائمًا فِي حوش واحدٍ ولا يتعذبون.
فالصَّواب أن هَذَا التعذيبَ الَّذِي قاله سُلَيْمَان غيرُ معلومٍ لنا، إِنَّمَا هُوَ عذاب شديد، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لم يُبَيِّنْهُ ولكِن يكفي أن نعرفَ أَنَّهُ شديد، هَذِهِ واحدة.
الثَّانِيَة:{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ}: (أو) فِي قوله: {لَأَذْبَحَنَّهُ} هَذِهِ للتنويعِ، يعني إمَّا هَذَا أو هَذَا، وقوله:{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} يَقُول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بِقَطْعِ حُلْقُومِهِ]، هَذَا صحيحٌ؛ لِأَنَّ الذبحَ بقطعِ الحلقومِ والمَرِيء من عند الرقبةِ.
والثَّالثة: قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَوْ لَيَأْتِيَنِّي} بنونٍ مُشَدَّدَةٍ مكسورةٍ أو مفتوحة، يليها نونٌ مكسورةٌ (١)]، {لَيَأْتِيَنِّي} هَذِهِ واحدة أو "لَيَأْتِيَنَّنِى" والفرق بينهما أن نون الوِقاية إمَّا أن تُحْذَف وَإمَّا أن توجد، وَأَمَّا نون التَّوْكيد فموجودة، ونون التَّوْكيد هِيَ المشدَّدة، لكِنْ إنْ حذفتَ نونَ الوقايةِ كسرتَ نونَ التَّوْكيدِ:(يَأْتِيَنِّي)، وإن لم تحذف فإنها تبقى مفتوحةً:"يَأْتِيَنَّنِى".
وهَذَا أمر ثالثٌ، فتَوَعَّدَهُ سُلَيْمَان بواحد من أمرينِ إِلَّا إذا أتى بشيءٍ، أي:{بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [ببرهانٍ بَيّن ظاهرٍ عَلَى عُذْرِهِ]، وكلمة (سلطان) تَرِدُ كثيرًا فِي الْقُرْآن، ومعناها العامُّ: هِيَ السُّلطة الَّتِي يَتَمَكَّنُ بها الْإِنْسَان من الوصولِ إِلَى غَرَضِه، فهَذَا معناها العامُّ، والسلطان تارَةً يَكُونُ المُرادُ به الدَّلِيل؛ قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ}[الصافات: ١٥٦]، وتارَةً يُرادُ به القُدْرَة؛ قَالَ تَعَالَى:{لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}[الرحمن: ٣٣]، وتارَةً يُرادُ به البيِّنة، مثل هَذِهِ الآيَة؟ قَالَ: {لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ