للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمْرِي}] , واحد الأُمُور وَلَيْسَ واحد الأوامر؛ لِأَنَّ المُراد بالأَمْر هنا الشأنُ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} قَاضِيَتَهُ {حَتَّى تَشْهَدُونِ} تَحْضُرُون].

وهَذَا من كمالِ ذَكائها أَنَّهَا أشارتِ المَلَأَ حَتَّى إذا نتجَ عن تَصَرُّفِها شيءٌ لا يُرضى يَكُونُ اللومُ عَلَى هَؤُلَاءِ الملأِ الَّذِينَ أشاروا، ولا يجعلون اللومَ عليها؛ ولهَذَا قالت: إنَّهَا ما تَقْطَع أمرًا حَتَّى يشهدوها، وقولها: {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} أي: قاضية له، {أَمْرًا} هَذِهِ نَكِرَة فِي سياقِ النفيِ، فتكون للعمومِ، لكِن المُراد بذلك الأَمْر المتعلّق بالدولةِ بلَا شَكّ، وَأَمَّا الأَمْرُ الخاصّ فإن لكلِّ إِنْسَانٍ التصرُّف فيه، وكذلك قول الله تَعَالَى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} [آل عمران: ١٥٩]، هَذَا الأَمْر من الأُمُورِ الْعَامَّة الَّتِي هِيَ للجميعِ، وَلَيْسَ الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ولا غيره مأمورًا أن يشاورَ النَّاس فِي كُلّ أمورِهِ، حَتَّى لو أراد أن يتغدى أو يتعشى ذهب يَقُول للناس: ماذا تقولون؟ لا، ولكِن المقصود الأُمُور الْعَامَّة الَّتِي يَشْتَرِك فيها النَّاس، فيؤمَر فيها بالتشاور.

وقولها: {قَاطِعَةً أَمْرًا} هَذَا أبلغ ممَّا فسَّر به المفسِّر بالقضاء؛ لِأَنَّ القطعَ يَدُلّ عَلَى الإِمرةِ والعزيمةِ والفِعْل، بخلافِ القضاءِ حيث يقضي الحُكْم فقطْ بدونِ أنْ يفعلَ.

وقولها: {حَتَّى تَشْهَدُونِ} فيها إشكالٌ لُغَوِيّ، وهي ثبوتُ النونِ مَعَ أن {حَتَّى} ناصبة، فما هُوَ الجوابُ؟

النون هَذِهِ للوقايةِ؛ ولذلك تجدها مكسورةً {حَتَّى تَشْهَدُونِ}، لو كانت نون الرفعِ لقالَ: (تَشْهَدُونَ)، وما أظنُّ أَنَّهَا تُشْكِل عَلَى طالبِ العلمِ؛ لِأَنَّهَا مكسورةٌ، ومثل هَذَا قوله تَعَالَى فِي سورة الذاريات: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات: ٥٩]: فقوله: {فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} إذا وقفتَ عليها تُسَكّن النونَ

<<  <   >  >>