للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتَّقْدير: (يؤتون الزكاة مُسْتَحِقَّها) وقد بيَّن الله تبارَكَ وَتَعَالى مستحِقَّ الزكاة فِي سورة بَرَاءَة ببَيَان واضحٍ مفصَّلٍ.

وقوله: {الزَّكَاةَ} لا حاجة إِلَى تعريفها عندكم لِأَنَّهَا معروفةٌ، وسُمِّيَتْ زكاةً لِأَنَّهَا تُزَكِّي الْإِنْسَان، قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣].

قوله: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} هَذَا ثناء عَلَى المُؤتِينَ للزكاة، والسُّورَة كما تقدَّم مكّيّة، فهل معنى ذلك أن الزكاة فُرضت بمَكَّة أو فِي المَدينَة؟

المعروف عند أهلِ العلمِ أَنَّهَا فُرضت فِي المَدينَة، ولكِن الصحيح أَنَّهَا فُرضت بمكَّة، ولكِنَّ تقديرَ أنصبائها وبَيَان الأموال عَلَى وجه التفصيلِ كَانَ ذلك فِي المَدينَةِ، هَذَا هُوَ الصَّحيح، وَهُوَ الَّذِي به تَجتمع الأدلَّة.

فَإِنْ قَالَ قَائِل: تأخّر بَيَان أنصِبَة الزكاة إِلَى ما بعدَ الهجرةِ ألَا يَكُونُ من بابِ تأخيرِ البَيَان عن وقتِ الحاجةِ؟

فالجواب: لا، هَذَا من باب التطوُّر فِي التشريع، فبيَّن الزكاة وتركها موكولةً للإِنْسَان يختار ما يُخْرِج، فيُخْرِج ما شاءَ؛ لأجلِ أن تتعوَّد النفوس، ثُمَّ بَعْد ذلك يَفْرِض عليها الشَّيْءَ الَّذِي أراد اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وهَذَا مِثْلُ غيره منَ الأَشْيَاء الَّتِي تطوَّرت: الصَّلَاة فُرِضَتْ ركعتينِ، ثُمَّ أُقِرَّت صلاةُ السفرِ وزِيد فِي صلاة الحَضَر (١).

والزكاة هَكَذَا فُرِضَت أوَّلًا عَلَى اختيار الْإِنْسَان، ثُمَّ حُددت، والصِّيَام فُرض عَلَى سبيل التخيير ثُمَّ عُيِّن، والحجُّ هُوَ الَّذِي ما أعلمُ فِيهِ إِلَّا اَنهُ فُرض مرَّةً واحدةً،


(١) رواه البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، رقم (٣٥٠)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (٦٨٥).

<<  <   >  >>