للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ} اللام مُوَطِّئَة لِلْقَسَمِ، والنون للتوكيد، فعلى هَذَا فالجملة مؤكَّدة بثلاثةِ مؤكِّداتٍ: القسم، واللام، والنون، ثُمَّ فيها منَ التعظيمِ {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ}، ولم يقل: (فلآتينهم)؛ لِأَنَّ هَذَا أبلغُ فِي الهَيبةِ، سواء أراد تعظيم نفسه، أو أراد بذلك آتيهم بجنودي.

وقوله: {لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} فِيهِ استصغارُ هَؤُلَاءِ الجماعةِ الَّذِينَ أَرسَلُوا بهَذِهِ الهديَّة، فاستصغرهم منَ الناحيةِ الماليَّة فِي قولِه: (ما آتاني اللهُ خيرٌ مما آتاكم)، ومن الناحيةِ العسكريَّة فِي قولِهِ: {لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لا طاقة لهم بها؛ لِأَنَّ عنده من الجنودِ الجنّ والإنس، بل والطير أيضًا، فما لهم طاقة بهَذَا الشَّيْء.

قوله: {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً} فنَحْتَلّ بلادهم ونُخْرِجهم مِنْهَا أذلَّة {وَهُمْ صَاغِرُونَ} الفرق بين الأذِلَّة والصَّغار: الأذلة: الذُّلّ فِي النفسِ، والصَّغار: فِي البَدَنِ، يَعْنِي يَكُون مُسْتَسْلِمًا ظاهرًا وباطنًا، مستسلمًا ظاهرًا بالصغارِ، ومستسلمًا باطنًا بالذلِّ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: ٤٥]، فالخشوعُ بمعنى الصَّغار، والذلُّ هُوَ ذلُّ النفسِ والعياذ باللهِ، وهَذَا دليلٌ عَلَى أن سُلَيْمَان عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عنده من قوَّة العزيمةِ، وقوة السلطانِ ما استطاعَ أن يُعَبِّر بهَذَا التعبيِر لهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْدَوْا له بهَذِهِ الهديَّة.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيفَ يَلِيق بسُلَيمان عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يقابلَ جماعةً أَهْدَوْا إليه هديةً بهَذَا الأسلوبِ العنيفِ، لماذا لم يُجِبْ بأسلوبٍ لطيف؟

الجواب عن هذا: أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أرادَ أنْ يُظْهِرَ لهم قوَّتَه، وَأَنَّهُ لا يَهْتَمّ بشأنِهِم، ثُمَّ إن اختبارهم له مَعَ أَنَّهُ قَالَ: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: ٣١]، يَدُلُّ عَلَى شكٍّ فِي دعوتِه، هُوَ دعاهم إِلَى الإِسْلامِ، وهم شَكُّوا فِي ذلك بإرسالِ الهديَّة،

<<  <   >  >>