للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّهُ جاء فِي الحديث: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ" (١) لكِن الخيانة -خيانة العدو- لا تَجوز، فلا يجوز للإِنْسَانِ أنْ يخونَ عَدُوَّه، ولهَذَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨]، يَعْنِي: ولا تَخُنهم، وكذلك إذا خانوا فقد نَقَضُوا العهدَ.

وهَذِهِ المسألة لها ثلاث حالات -أي أنَّ المعاهَدين لهم ثلاثُ حالاتٍ -: إمَّا أن يَسْتَقِيموا لنا، قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: ٧]، وَإمَّا أن يَنْكُثوا العهد وحينئذٍ لا عهدَ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ١٢]، وَإمَّا ألَّا يَنْقُضوا العهد وظاهِرُهُم الاستقامةُ، لكِن نخاف منهم الخيانةَ، فهنا نَنْبِذ العهدَ إليهم، ونُخْبِرهم بأننا قد أبطلنا العهدَ، حَتَّى لو قَالُوا: سَنبقَى عَلَى العهد نَقُول: لا، نحن الْآنَ كلٌّ مِنَّا حرٌّ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الفرق بين الخيانة والخَديعة؟

الخيانة معناها: أنك تَخْدَعه فِي مَقامِ الأمانِ، والخديعة تَخْدَعُه فِي غيرِ مقامِ الأمانِ، كَأن تكونَ الحربُ قائمةً ثُمَّ تَضَح كَمينًا ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو تُظْهِر مثلًا أن عندك كثرةَ عددٍ، كَأن تجعل النَّاس مثلًا يتردَّدون مثلما فعل القَعْقَاع بنُ عَمْرٍو فِي حُرُوبِهِ مَعَ الفُرْسِ وغير ذلك، فأنت الْآنَ ما خُنتهم؛ لِأَنَّهُ ما بينك وبينهم عهدٌ، أَمَّا المحارِب فقَتْلُه لا يُعتبَر خيانةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بيننا وبينهم عهد، ولهَذَا فِي قِصَّة كَعْب بنِ


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، حديث رقم (٢٨٦٥)؛ ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، حديث رقم (١٧٤٠)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>