للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكمالِ ترغيبًا أو ترهيبًا، بشرطِ أنْ يَكُونَ ذلك حقيقةً، فوَصْفُ الْإِنْسَان نفسَه بما يتَّصف به نَقُول: إنَّهُ مباح، هَذَا الأَصْلُ، والمباح كما هُوَ معروف تَعْتَرِيه الأحكام الخمسة؛ فقد يَكُون واجبًا أحيانًا، وقد يَكُون محرَّمًا، ولا يمكن أن يَكُون مطلوبًا بكلِّ حالٍ؛ لِأَنَّهُ قد يَكُون لغرضٍ سيِّئٍ، ولا أَنَّهُ مذموم بكل حال؛ لِأَنَّهُ قد يَكُون لغرضٍ حسنٍ أو عَلَى سبيلِ الجوازِ، لكِن إذا اقتضتِ الحالُ البَيَان فقد يَكُون مطلوبًا إمَّا وجوبًا وَإمَّا استحبابًا، فقد يَكُون من باب التحدُّث بنعمة الله فيَكُون مطلوبًا، وقد يَكُون من أجلِ أن يمنع من لَيْسَ بأهلٍ من مباشرةِ هَذَا العَمَلِ، فحينئذٍ يَجِب أن يبيِّن نفسه؛ لِقَوْلِهِ: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}، وهَذَا ترغيبٌ، وقوله: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} ترهيب، فيجوزُ هَذَا وهَذَا، لكِن بشرطِ أن يَكُون متَّصِفًا به حقيقةً، أَمَّا دَعْوى فلا، ومثل هَذَا ما جاء فِي الحديثِ: "مَنْ تَشَبَّعَ بِمَا لَمْ يُعْطَ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَي زُورٍ" (١).

فالْإِنْسَانُ الَّذِي يَمْدَحُ نَفْسَه بما لَيْسَ فيها هَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مزوِّر، مزور بالخبر ومزور بالصِّفة، هُوَ أخبرَ عن نفسِهِ بما لَيْسَ فيها، فالخبر كذب وثُبُوت هَذَا الوصف للنفسِ مثلًا كذبٌ، فلذلك قَالَ: "كَلَابِسِ ثَوْبَي زُورٍ"، ومثل هَذَا أيضًا قولُ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -: لو أعلمُ أنَّ أحدًا أعلمُ منِّي بكتابِ اللهِ تَبْلُغُهُ الإبلُ لَرَحَلْتُ إليه، أو كما قال (٢).


(١) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة، حديث رقم (٤٩٢١)؛ ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط، حديث رقم (٢١٣٠)، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -.
(٢) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم (٤٧١٦)؛ ومسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه - رضي الله عنهما -، حديث رقم (٢٤٦٣).

<<  <   >  >>