للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْنَا: القويُّ الأمين مقدَّم، لَيْسَ فِيهِ إشكال، والخائن الضعيف مؤخَّر بلَا شَكّ، هَذَان طرفانِ معلومانِ.

أما القوي الخائن والضعيف الأمين فالصَّحيح أنه يَجِب أن ننظرَ أيُّهما أولَى مراعاةً، فإذا كَانَ فِي عملٍ الْقُوَّة فِيهِ أظهرُ فهنا يُقدَّم القويُّ؛ لِأَنَّ القوي وإن كَانَ عنده خيانة فربما تَحْمِله قوته عَلَى إتقانِ العَمَلِ؛ لأجل أن يَشْتَهِرَ بهَذهِ الْقُوَّة مثلًا، أَمَّا إذا كانت المسألة لا تحتاج إِلَى عملٍ وقوة لَكِنَّها تَتَطَلَّبُ الأمانة فهنا يُقدَّم الأمين، وهَذَا واضح إذا كَانَ فِي عملينِ:

أحدهما: يظهر فِيهِ قصد الأمانة.

والثاني: يظهر فِيهِ قصد الْقُوَّة.

كالأمير مثلًا، الأمير يظهر فِيهِ قَصْد الْقُوَّة، يعني قوة الأمير، وإنْ كَانَ غيرَ أمينٍ، فهو أنفعُ للمجتمعِ من أميرٍ ضعيفٍ أمين، والقاضي بالعكسِ؛ فالأمانةُ فِي حقِّه أظهر؛ لِأَنَّهُ إذا كَانَ أمينًا -وإن كَانَ ضعيفًا؛ لِأَنَّ الَّذِي سَيُنَفِّذ لَيْسَ القاضي، خصوصًا فِي عصرنا، فالْآنَ التنفيذ لجهة الإِمارة، فالقاضي يَحْكُمُ فقط- فإذا كَانَ أمينًا فهنا قصد الأمانة فِي القضاءِ أظهرُ من قصد الْقُوَّة، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.

ولكِن إذا كَانَ العَمَلُ تَتَعَارَضُ فِيهِ الْقُوَّة والأمانةُ فهَذَا مَحَلُّ نظرٍ، ولا يمكن أن نَحْكُمَ بِحُكْمٍ عامٍّ، بل إننا نَنْظُرُ فِي القضيةِ المعيَّنة، وإذا تشاحَّ اثنانِ فِي عملٍ يَتَطَلَّب الْقُوَّة والأمانة معًا ولا يظهر فِيهِ فضل أحدهما عَلَى الآخر، فحينئذٍ لا أستطيعُ أن أحكمَ هنا حكمًا عامًّا، بل إِنَّمَا يُنْظَر فِي كُلّ مسألةٍ بخصوصها، ويُنظَر للقرائنِ وينظر أيضًا للأشخاصِ، ومَن تَظهَر فِيهِ الْقُوَّة أكثر من ظهور الأمانة فِي الثاني، أو الأمانة فِي هَذَا أكثر من ظهور الْقُوَّة فِي الثاني.

<<  <   >  >>