للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ} هذه الجملةُ {زَيَّنَّا} خبرُ إنَّ، وتفيد أن العِلَّة فِي التزيينِ عدم الإِيمانِ بالآخِرَةِ، وأن الله تَعَالَى لم يُزَيِّن لهم (١) هذه الأَعْمال إِلَّا بسبب عدمِ إيمانِهِم، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥].

ومن هنا نعرف أن الَّذِي يزيَّن له سُوءُ عَمَلِه يَكُون ذلك دليلًا عَلَى نقصِ إيمانِه بالآخِرة، إذ لو كمُل إيمانُه بالآخِرَةِ لكانَ يعرف الحسن من السَّيِّئ، فيفعل الحسن وَيتَجَنَّب السَّيِّئ، ولكِن لضعفِ إيمانِه بالآخرة يحصُل له هَذَا الفِعْل القبيح ويراه حسنًا. ولا حاجة إِلَى أن نُعَدِّد أنواعًا من ذلك؛ لِأَنَّ الأنواع ممَّن زُّينَ له سُوءُ عَمَلِه كثيرةٌ جدًّا، فبلَا شَكّ من العَمَل السيئ أنهُ إذا نزل فِي أرضٍ أخذَ أربعةَ أحجارٍ ووضعَ ثلاثةً للقِدْرِ وواحدًا يَعْبُده (٢).

ولَا شَكَّ أنَّ من العَمَلِ السيئ المُزيَّن أن الْإِنْسَان يَتَّخِذُ تمرًا عَلَى صورة صَنَمٍ فيَعْبُده، فإذا جاع أكلَه.

ولَا شَكَّ أنَّ من سُوء العَمَلِ المزيَّن أنَّ الْإِنْسَان يأتي بابنتِهِ -وهي ثَمَرَة فُؤَادهِ- ويَحفِر لها الحُفرة وَيغْمِسها وهي حيَّة. هَذَا لا يَكُون -والعياذُ بالله- ولا من السِّباع، ومعَ ذلك زُين لقومٍ من أهل الجاهليَّة هَذَا العَمَل؛ حَتَّى إنَّهُم يَقُولُونَ: إنَّهُ يقف عَلَى الحفرة ليُلْقِيَها، وإذا همَّ أنْ يُلْقِيَها تَشَبَّثَتْ به وتقول: يا أبتِ يا أبتِ! فتستجير به وَهُوَ داؤها! نسألُ اللهَ العافيةَ.

وقوله رَحَمَهُ اللهُ: [{فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يَتَحَيَّرون فيها]، هَذَا -والعياذُ بالله- من عدمِ الإِيمانِ أنَّ الْإِنْسَان لا يوفَّق للهداية، تَجِدُه حائرًا؛ لِأَنَّهُ لم يؤمن.


(١) نهاية الشريط الأول.
(٢) انظر كتاب الأصنام لأبي المنذر الكلبي (ص: ٣٣)، وإغاثة اللهفان (٢/ ٢٢٠).

<<  <   >  >>