للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعكسِ قَالُوا: لا يمكن أنْ يَجْتَمِعَ كفرٌ وإيمانٌ، وفُسُوق وطاعة، بل مَن أتى ما يُوجِب الفِسْق صار كافرًا، ومَن أتى ما يُوجِب الكفرَ صارَ كافرًا عَلَى رأيِ الخوارِجِ، أو خارجًا من الإِيمان بين منزلةِ الإِيمانِ والكفرِ عَلَى رأي المعتزلة، ولَا شَكَّ أن النصوصَ والواقعَ والعقلَ يَدُلّ عَلَى خلافِ ما قالوا؛ لِأَنَّ اجتماعَ هَذَا وهَذَا أمرٌ موجودٌ مَعْلُوم، فالعاصي نَقُول: إنَّهُ مؤمنٌ ناقصُ الإِيمانِ، فلا نُطْلِق عليه الإِيمان المُطْلَق، حَتَّى لو كَانَ عنده إيمانٌ عشرة فِي المِئَة، لَا بُدَّ أن يَكُونَ ناقصَ الإِيمانِ، أو نَقُول: مؤمن بإيمانِهِ فاسِقٌ بكبيرتهِ، مثلًا لوِ اغتابَ الْإِنْسَان رجلًا من النَّاسِ، فهَذِهِ كبيرةٌ منَ الكَبائِرِ تَنْقُصُ الإِيمانَ، وَهُوَ يُصَلِّي ويصوم ويزكِّي ويَحُجّ ويتطوع بسائر التطوُّعاتِ، لا نعطيه وصفَ الإِيمانِ المطلَق، بل نَقُول: مؤمن بإيمانِهِ فاسِق بِكَبيرتِهِ أو مؤمن ناقصُ الإِيمانِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أليس قوله تَعَالَى: {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} مثل قول الصحابيّ: فأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ (١)، بمعنى أنَّ الوَصْفَ يَتَحَقَّق بواحدٍ منهما؟

فالجواب: لا؛ لِأَنَّ السكوتَ والكَلامَ متناقِضانِ، أَمَّا الصلاحُ والفسادُ فمُتَضَادَّانِ يُمْكِن أنْ يَجْتَمِعَا، فيَكُونُ فِي الشَّيْءِ مَصْلَحة ومَفْسَدة، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩]، أمَّا هَذا فإمَّا سكوتٌ أو كلام، فهما متناقضان، يعني لا يمكن أن يوجدَ أَحَدُهما إِلَّا بِفَقْدِ الآخَرِ.


(١) أخرجه البخاري: أبواب العمل في الصلاة، باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة، رقم (١٢٥٠)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، رقم (٥٣٩).

<<  <   >  >>