للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ببينةٍ فَإِنَّهُ لا يَثْبُتُ له الحقُّ؛ لِأَنَّ البيِّنة عَلَى المُدَّعِي واليمينَ عَلَى مَن أنكرَ. ولكِن هل هَذَا عَلَى إطلاقه؟

المشهورُ مِنَ المَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى إطلاقِه، وَأَنَّهُ لو كَانَ المُدَّعَى عليه القتلُ مِن أفجرِ النَّاسِ والمقتولُ من أطيبِ النَّاسِ، وكذلك المُدَّعِي فَإِنَّهُ لا يُؤْخَذ بقَوْلِهِ؛ لِعُمُومِ قولِ الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الْبَيِّنةُ عَلَى المُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ" (١).

واختارَ شيخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ هَذَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، ولكِن تُجْرَى فِيهِ القَسامةُ إذا كَانَ هَذَا الرجلُ معروفًا بالفسوقِ، والمقتول معروفًا بالصدقِ والاستقامةِ، وكذلك أولياؤه، قَالَ: فإن هَذه قَرِينَة تُغَلِّبُ عَلَى الظنِّ صِدْقَ المُدَّعِي، وَعَلَى هَذَا فتُجْرَى فِيهِ القَسَامَةُ. وما قاله الشيخُ فليسَ ببعيدٍ.

الأَمْر الثاني بالعكسِ؛ لو أنَّ شخصًا قتلَ إِنْسَانًا وقال: نعمْ أنا قتلتُ ولكِن الرجل صالَ عليَّ ولم يَنْدَفِعْ إِلَّا بالقتلِ، فماذا أصنع؟

المَذْهَب: لا يُقْبَل قَوْلُه ويُقْتَل؛ فلو أنَّ إِنْسَانًا أَدَّعِي عليه أَنَّهُ قاتلُ فلانٍ، قَالَ: نعمْ أنا الَّذِي قتلْتُه لكِنَّني قتلتُه دِفاعًا عن نفسي؛ لِأَنَّ الرجل يريد أن يَقْتُلَنِي. نَقُول له: هاتِ بيِّنةً أَنَّهُ صالَ عليك وإلا قتلناك. قَالَ: لا يُمكِن أن يَكُونَ عندي بيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ ما صالَ عليَّ أمامَ النَّاسِ، لو يَدْرِي أن حوله أحدًا ما صالَ.

نَقُول: إذن نَقْتُلك وبوم القيامةِ تَخْتَصِمُون عند الله. هَذَا هُوَ المذهَب، واختارَ الشيخُ هنا أَنَّهُ يُقْبَل قولُ المعروفِ بالصدقِ، فإذا كَانَ هَذَا القاتلُ الذي يَقُول: أنا قتلتُه دفاعًا مُسْتَقِيمًا، والمقتولُ معروفٌ بالفجورِ والاعتداءِ عَلَى الخلقِ، فَإِنَّهُ يُقْبَل قولُه ولكِن يَحْلِف تأكيدًا لقوله.


(١) رواه الدارقطني (٣/ ١١٠، رقم ٩٨)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥٢، رقم ٢٠٩٩٠).

<<  <   >  >>