نَقُول: الْقُرْآنُ مُشتمِلٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ، والشَّرِيعَةُ فيها أوامرُ ونواهٍ، وإذا لم نَعْتَقِدْ أنَّ هذه الأوامرَ والنواهيَ مبنيَّة عَلَى الحِكْمَةِ فَإِنَّهُ يَضعُف انقيادُنا لها، فلهَذَا قدّم الحِكمةَ. أَمَّا العلمُ فَإنَّهُ مفهومٌ مِن قولِهِ:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ}؛ لِأنَّهُ بمجرَّد تَلَقِّي الْقُرْآنِ يَكُونُ العلمُ. لكِن هل هَذَا الموجود فِي القرآن موافِقٌ للحِكْمة؟
نعمْ هُوَ موافِقٌ فِي الواقعِ، ولذلك قُدِّمَتِ الحِكْمَةُ لأجلِ أنْ يَشعرَ الْإِنْسَانُ قبلَ كُلِّ شيءٍ بأنَّ ما تَلَقَّاه الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْقُرْآن هو حِكمةٌ.
نظير ذلكَ فِي سور الذَّارِيات قَالَ تَعَالَى: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات: ٢٩، ٣٠]، ولم يَقُلِ: العليمُ الحكيمُ؛ لِأَنَّ ولادةَ العجوزِ أمرٌ خارجٌ عنِ العادةِ، وعن المألوفِ، فكيف تَلِد العجوز ولماذا؟ ! فقُدِّمَتِ الحِكْمَةُ لأجلِ أن يشعرَ الْإِنْسَان قبل كُلّ شيءٍ أن هَذَا الأَمْرَ النادرَ الخارجَ عنِ العادةِ صادرٌ عن حكمةٍ وَلَيْسَ عن سَفَهٍ ولا عن صُدْفَةٍ.
إِذَنْ: هذه الآيةُ نَقُول في مثلها: قدّم اسمَ الحكيمِ الَّذِي يَدُلّ عَلَى وصفِ اللهِ تَعَالَى بالحِكمة فِي هَذَا المقامِ؛ لِأَنَّ ما يُلَقَّاه الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - من القرآن مُشْتَمِل عَلَى التشريعِ الَّذِي يَحتاج إِلَى بَيَان الحِكْمَةِ فيه، حَتَّى يَقتنع به المرء، فلذلك قُدِّمَتِ الحِكْمَةُ عَلَى العلمِ. أَمَّا العلمُ فَإِنَّهُ مفهومٌ من كلمةِ (تُلقَى)؛ إذ إِنَّهُ إذا لُقِّيَ القرآن فقد عَلِم، لذلك صار العلم فِي المرتبةِ الثَّانِيَةِ.
مسألة: ما هِيَ الحِكْمَةُ من جمع الحِكْمَةِ والعلمِ: حكيم وعليمٌ، ودائمًا فِي الْقُرْآنِ تجد أن الحكيم مقرونٌ بالعليمِ كثيرًا، ويُقْرَن بالعزيزِ (عزيز حكيم) أيضًا، فما هِيَ الحِكْمَة من ذلك؟