للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا فما نُحَدَّث به عن بعضِ النَّاسِ أَنَّهُ إذا جاءهم المريضُ قَالُوا: أنت أصابك كذا وأصابك كذا وأصابك كذا، ويَكُون الأَمْر كما أخبرَ؛ هَذَا لَيْسَ من دعوى الغيبِ، فتصديقه لَيْسَ كفرًا باللهِ. لكِن يَبْقَى النظرُ فِي حالِ هَذَا الرجلِ؛ هل هُوَ مستقيمٌ فإنَّنا حينئذٍ نَرْكَن إليه ولا حرجَ علينا إذا ذهبنا إليه، أَمَّا إذا كَانَ غير مستقيمٍ بحيث إن الجنَّ لا تَخْدُمُهُ إِلَّا بشركٍ وكفرٍ فَإِنَّهُ لا يجوز لنا أن نذهبَ إليه؛ لما فِي ذلك من الإعانةِ عَلَى الكفرِ.

وقد ذكر شيخ الإِسْلام أنّ الجنّ يخدمون الإنسَ لمصالحهم؛ لمصالح الجنّ، فإذا كانوا كفارًا فإنهم قد يخدمونهم إذا أشركَ الإنسيُّ بالله، وقد تَعْشَقُ امرأةٌ من الجنِّ رجلًا من الإنس وتقول له: أنا أَخْدُمك بشرطِ أنْ يَفْعَلَ بها، أو كذلك رجلٌ من الجنّ يَعشَق امرأةً من الإنس، فيحصل الأَمْر كذلك، فيَكُون الأول شركًا؛ الَّذِي أشرك بالله، والثاني فسوقٌ وزِنا، وقد يخدمه لمجرَّد مَحَبَّته له بدون أيّ سبب؛ فهَذَا لا بأسَ به، وقد يخدمه لله؛ يرى أَنَّهُ عابدٌ وتقيٌّ أو عالم ينفَع النَّاس بعلمه فيخدمه لهَذَا السَّبَب، فما دام أن خِدمة الجنّ للإنس تَتَنَوَّع فإن حكم استخدامِ الإنسِ للجنّ يَكُون بحسَب هَذَا التنوّع، ولا يُقَال: إنَّهُ حرام مطلقًا ولا يُقَال: إنَّهُ جائز مطلقًا، بل عَلَى حَسَبِ الحالِ (١).

وقد بَلَغَنَا أن أحد أهلِ العلمِ كَانَ يُسمَع فِي حَلْقته حركاتٌ بغير مشاهَدةٍ، وَيقُولُونَ: إن الجنّ يحضُرون العلمَ عنده وَإِنَّهُ أحيانًا يَسمعون كلامَا وسؤالًا بدون أن يعلموا بقائِلِهِ، فهَذَا متواتِرٌ عندنا.

وهَذَا لَيْسَ ببعيدٍ إذا كَانَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - حَضَرَه ناس من الجنّ وحضروا الْقُرْآن


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>