للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيتَ النَّاسَ لم يَقْبَلُوا فلا تَحْزَنْ ولا تكنْ فِي ضِيقٍ ممَّا يمكرونَ، وإلَّا فإن أعداء الرُّسُلِ سوفَ يمكرون بالدعاةِ إِلَى دينِ الرُّسُلِ، وسوف يَبُثُّونَ ضِدَّهُمُ الدعاياتِ وسوف يُؤْذُونَهم بالقَوْل ويُسْمِعُونهم ما يَكْرَهُون، وربما يؤذونهم بالفِعْل، والْإِنْسَانُ عليه أن يَصْبِرَ.

والنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جاء بأبين الأُمُورِ وأُوذِيَ فِي بيته وَفِي بدنه حاضرَا ومسافرًا، إِلَى حدّ أَنَّهُم يأتون بِسَلَى الجزور وَيضَعُونه عليه فِي المَسْجِد الحرامِ الَّذِي مَن دَخَلَهُ كَانَ آمنًا، يضعونه عليه وَهُوَ ساجدٌ للهِ، فهل يوجد أبلغ من هَذِهِ أذيَّة؟ ! يأتون بالقاذورات والعَذِرَات ويُلْقُونها عَلَى عَتَبَةِ بابِهِ (١)، مَعَ أَنَّهُم يُجِيرُ ونَ أفسقَ النَّاس وأفجرَ النَّاس إذا جاء إِلَى مكَّة، ولا يجيرون الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وعندما ذهب الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الطائف لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الله سَخِرُوا به واسْتَهْزَؤُوا به واصطفُّوا صَفَّيْنِ منَ السفهاءِ والغِلمان وغَيرهم وجعلوا يَرْمُون النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالحجار حَتَّى أَدْمَوْا عَقِبَهُ، ولا أفاق إِلَّا وَهُوَ فِي قَرْنِ الثَّعَالِبِ، ومعَ ذلك صبرَ، وقد جاءه مَلَكُ الجبالِ يَسْتَأْذِنُهُ أن يُطْبِقَ عليهم الأَخْشَبَيْنِ فقال: "بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ" (٢).

إِذَنْ: إذا رأينا هَذَا نعلم أَنَّنا ما أصابنا هَذَا الأذى الَّذِي أصابَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْآنَ، ونسألُ اللهَ العافيةَ، ومعَ ذلك تجد الْإِنْسَان منّا يَتَضَجَّر عندما يسمعُ كلمةً


(١) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (١٧٩٤).
(٢) انظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قَالَ: آمين، والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، حديث رقم (٣٠٥٩)؛ صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (١٧٩٥).

<<  <   >  >>