للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْد أن وقعَ عليهم القَوْلُ استحقُّوا العذابَ فلا يستطيعون النُّطْقَ، يَقُول المُفَسِّر: [إذ لا حُجَّة لهم]، وهَذَا فِي آخِرِ الأَمْرِ؛ لِأَنَّهُم كانوا فِي أوَّلِ الأَمْرِ يَنطِقون ويُدافِعون.

ولكِنهم إذا رأوْا أنَّ جَوَارِحَهم شَهِدَتْ عليهم حينئذٍ أَمسكوا، فلا يستطيعون الآن، وإلّا فإن الله تَعَالَى يَقُول: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، فهم يَقُولُونَ: ما أَشركنا، ويَقُولُونَ أيضًا: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٧، ٢٨]، فهم يتكلَّمون وُيدافِعون عن أنفسهم، ولكِنَّ ذلك لا يَنفعهم، قَالَ تَعَالَى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: ١٢]، فالمهمُّ أَنَّهُم يتكلَّمون، فقوله هنا: {فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: ٨٥]، هَذَا يَكُون الجمع بينه وبين الآيَات الدالّة عَلَى نطقهم أن للقيامة أحوالًا؛ لِأَنَّ يوم القيامة مِقداره خَمسونَ ألفَ سنةٍ، فالأحوالُ تَتَغَيَّر، فيَكُون الناطق فِيهِ ساكتًا وَيكُون الساكت فِيهِ ناطقًا، وتَتَقَلَّب الأحوال، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: ٣٧]، لِمَا ترَى، فهم فِي حالٍ لا يَنطِقون، وَفي حالِ يَنطِقون ويدافعون.

ولكِنهم مهما قالوا ومهما فعلوا فإن لديهم شهودًا من أنفسهم {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤]، فاللِّسان يَنطِق بما قال، واليدُ تَنطِق بما فعلتْ، والرِّجل تَنطِق بما فعلتْ، وأبلغ من ذلك الجلودُ تَشهَد بما لمستْ، فجميعُ ما فِيهِ الإدراكُ والحاسَّةُ يَشهد عَلَى هَؤُلَاءِ بما فَعَلُوا، وحينَئذٍ لا يَستطيعونَ أنْ يُدافِعوا، ما دام أنَّ هَذِهِ الأَشْيَاء تَشهد عليهم؛ إذن مَن يشهد لهم؟ !

الحاصل: أن الأحوال تتغيَّر، فالمتكبِّرون يُحشَرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ

<<  <   >  >>