قوله:{مَرَّ السَّحَابِ} يَقُول: [المَطَر]، وفيه نظر أيضًا، والصَّوابُ أن المُرادَ بالسحابِ هَذَا السحابُ المعروفُ، والمَعْنى أَنَّهَا تسيرُ كما يسيرُ السحابُ فِي السُّرعةِ، وهو أبلغُ مِنَ المطرِ الَّذِي فَسَّرَهُ به المُفَسِّر حَيْثُ قَالَ: إنه مثل المطر إذا ضربتْه الريحُ، فالمطرُ إذا ضَرَبَتْهُ الريحُ تَجِده يزولُ عن مكانِهِ، ولكِنَّه فِي الحقيقةِ لَيْسَ كما يَتَصَوَّرُهُ الْإِنْسَانُ من الآيَةِ، بل إن الآيَة عَلَى ظاهرها، والمُراد بالسحابِ هُوَ السحابُ المعروفُ، فَإِنَّهُ يَمُرُّ بسرعةٍ، ثُمَّ إنَّ مشابهةَ الجبالِ للسحابِ أقربُ من مشابهةِ الجبالِ للمطرِ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣)} [النور: ٤٣]، فالصَّوابُ إبقاءُ الآيةِ عَلَى ظَاهِرِهَا بدونِ تأويلٍ.
وقوله:{وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} السحابُ معروفٌ أَنَّهُ يمرُّ بسرعةٍ، فهي إذن تُقْتَلَع من مكانها وتكون مثلَ السحابِ هَبَاءً يَطير.
والحاصلُ: أنَّ الْإِنْسَانَ لا يَشْعُرُ بمرورها لَكِنَّها تمرّ.
ثم يَقُول المُفَسِّر: إنَّهُ بعدَ ذلك تَقَع عَلَى الْأَرْض فتَستوي بها مبثوثةً، وما قَالَهُ المُفَسِّر محُتمَل، أَنَّهَا بَعْد صعودها ومرورها مرّ السحابِ تقعُ عَلَى الْأَرْض ثُمَّ تَستوي بها الْأَرْض، ويَحتمِل أَنَّهَا تَبقى طائرةً ثُمَّ تكون هباء منثورًا، بمعنى أَنَّهَا أولًا تَضْعُفُ حَتَّى تكونَ كالعِهنِ المنفوشِ ثُمَّ بَعْد ذلك تَطيرُ مِنَ الْأَرْض حَتَّى تمرّ مرّ السحابِ مُشَاهَد، لها جِسْم متماثِل، ثُمَّ بَعْد ذلك تكون هباءً منثورًا تتبدد وتتفرَّق، فتكون لها أحوال وتتطوَّر، وذلك من عِظَم الأهوالِ يومئذٍ، فتبقى الْأَرْض بعدما كانت