للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا حَيْثُ يُوصِل إِلَى أمرٍ محمودٍ، عكس ما عليه النَّاس اليومَ، كثيرٌ منَ النَّاسِ الجهَّال يمدحون العلمَ بغيرِ الشَّرِيعَةِ، وبعضُ النَّاس - والعياذُ باللهِ - يرَى أن علمَ الشَّرِيعَة تأخُّر، وأن علم الطبيعةِ تقدُّم، ولهَذَا يَمْتَدِح هَؤُلَاءِ العُلَماءَ بالصنائعِ وطبقاتِ الْأَرْضِ وغير ذلك؛ يَتَمَدَّح هَذَا بأنه أفضل العِلم أو هَذَا هُوَ العلمُ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو إذا رأَى من الصناعةِ الغربيَّة قَالَ: هذا هو العلم، ولا يوجد شكّ أنَّ هَذَا الْآنَ يُفَضِّل هَذَا العصرَ عَلَى عصر الصحابةِ.

وهَذَا لَيْسَ هُوَ المقصودَ، فالمقصودُ بثناءِ اللهِ علمُ الشَّرِيعَة؛ لأن علم الشَّريعة هُوَ الَّذِي يَنْفَع الخلقَ، حتى إن علم الشريعة هو الذي يَدُلهُّم عَلَى هَذِهِ العلوم الَّتِي يَتبَجَّحُونَ بها؛ لِأَنَّ الله يأمرُ بأن نسعى فِي الْأَرْض، قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: ١٥]، وقال تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥]، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فالحاصلُ: أنَّ العلمَ الَّذِي مَنَّ اللهُ به عَلَى داودَ وسُلَيْمَان وأثنَى عليهما به هُوَ علمُ الشَّرِيعَة، وهَكَذَا جميعُ ما فِي النصوصِ مِن مَدْحِ العلمِ فَهُوَ علمُ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحمَدُ لِذَاتِهِ، وما عداهُ فيُحمَد إذَا كَانَ مُوصِلًا إِلَى أمير محمودٍ؛ وإلا فَإِنَّهُ إن أوصلَ إِلَى أمرٍ مذمومٍ كان مذمومًا، وإنْ أوصلَ إِلَى أمرٍ لا يُحْمَد ولا يُذَمّ فَهُوَ لا يُحْمَد ولا يُذَمّ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: غيرُ المُسلِمينَ وَصَلوا إِلَى أعماق البحارِ وإلى الفضاءِ، مَعَ أَنَّهُم لم يَقْرَءُوا علمَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -، ولا علمَ الصحابةِ رضوانُ الله عليهم؟

فالجواب: هَذَا من الجهلِ، ولهَذَا عِلْمُهم هَذَا الْآنَ لَيْسَ محمودًا، إِلَّا إذا أوصلَ إِلَى أمرٍ محمودٍ، وإلا فَهُوَ غيرُ محمودٍ، فهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَلُوا إلى أعماقِ البحارِ وإلى

<<  <   >  >>