وأما قوله: لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، فإنه قد سأل عنه سائل فقال: ما معنى هذا الكلام ووجهه وكيف كان / يجوز أن ينتقل عمن هو منهم فيدعى إلى الأنصار ونسبه غير نسبهم ودار مولده ومنشئه غير دارهم والانتقال عن الأنساب محظور غير جائز بحال؟
ومعنى هذا عندي أنه إنما أراد به تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم ومذهبهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من سمة الهجرة التي لا يجوز تبديلها في حق الدين، ولا يسعه العود فيها، إذ كان عليه التمسك بها واجبا والنسبة إليها واجبة لازمة.
والأنساب على وجوه: نسب ولادىٌّ ونسب بلادىٌّ، ونسب من جهة الدين اعتقادىٌّ ونسب صناعىٌّ. فيقال في نسبه الولادىِّ سَلْمِىٌ وأسدىٌّ، وفي البلادىِّ: كوفيٌ ومصريٌ وإلى الأديان والمذاهب: سنىٌّ وقدرىٌّ. وفي ملل الكفر يهودي ونصراني وإلى الصناعات والمهن صيدانىٌ وصيرفىٌ، ومعقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه إليهم، إذ كان ذلك أمرا لا يجوز في دينه وشريعته، ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل