قلت: وهاهنا قول ثالث. هو أجود من القولين اللذين ذكرهما أبو إسحاق، وهو الذي يليق بنظم الكلام وهو أن يكون المعنى: أم خلقوا من غير شيء، فوجدوا بلا خالق، وذلك مالا يجوز أن يكون؛ لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم، فلابد له من خالق، فإذ قد أنكروا الإله الخالق، ولم يجز أن يوجدوا بلا خالق خلقهم، أفهم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في الفساد أكثر، وفي البطلان أشد لأن مالا وجود له، فيجوز أن يكون موصوفا بالقدرة، كيف يخلق، وكيف يتأتى منه الفعل؟ وإذا بطل الوجهان معا قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به إذا.
ثم قال:{أم خلقوا السموات والأرض، بل لا يوقنون} أي: إذا جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم في تلك الحال، فليدعوا خلق السموات والأرض وذلك شيء لا يمكنهم أن يدعوه بوجه، فهم منقطعون، والحجة لازمة لهم من الوجهين معا، ثم قال:{بل لا يوقنون}، فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهي عدم اليقين الذي هو موهبة من الله عز وجل ولا ينال إلا بتوفيقه ولهذا كان انزعاج جبير بن مطعم حتى قال: كاد قلبي أن يطير والله أعلم.