قلت: أما قوله: نعوذ بالله منك، فإنه يؤكد ما تأولناه في الحديث الأول من أنه قول المنافقين دون قول المؤمنين، ولفظه وإن كان عاما فالمراد به خاص، وهو بمنزلة قوله عز وجل:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} فالاسم عام في الشقين، والمراد خاص فيهما، وأما ذكر الصورة في هذه القصة من طريق معمر عن الزهري، فإن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن نعلم أن ربنا عز وجل ليس بذي صورة ولا هيئة، فإن الصورة تقتضي الكيفية، وهي عن الله وعن صفاته منفية، وقد يتأول معناها على وجهين:
أحدهما: أن تكون الصورة بمعنى الصفة، كقول القائل: صورة هذا الأمر كذا وكذا، يريد صفته، فتوضع الصورة موضع الصفة.
والوجه الآخر: أن المذكور من المعبودات في أول الحديث إنما هي صورة وأجسام كالشمس والقمر والطواغيت ونحوها، ثم لما عطف عليه ذكر الله تعالى خرج الكلام فيه على نوع من المطابقة فقيل: يأتيهم الله في صورة كذا إذ كانت المذكورات قبله صورا وأجساما، وقد يحمل آخر الكلام على أوله في اللفظ، ويعطف أحد الاسمين على الآخر والمعنيان متباينان وهو كثير في كلامهم كالعمرين والأسودين والعصرين، ومثله في الكلام كثير.