موسى هذا الصنيع بملك من ملائكة الله جاءه بأمر من أمره فيستعصي عليه ولا يأتمر له؟ وكيف تصل يده إلى الملك ويَخلُص إليه صكُّه ولطمُه؟ وكيف ينهنهه الملك المأمور بقبض روحه فلا يُمضي أمر الله فيه؟
هذه أمور خارجة عن المعقول، سالكة طريق الاستحالة من كل وجه.
والجواب: أن من اعتبر هذه الأمور بما جرى به عرفُ البشر واستمرت عليه عادات طباعهم، فإنه يسرع إلى استنكارها والارتياب بها لخروجها عن رسولم طباع البشر وعن سنن عاداتهم، إلا أنه (أمر) مصدره عن قدرة الله عز وجل الذي لا يعجزه شيء ولا يتعذر عليه أمر، وإنما هو مجاوبة بين ملك كريم ونبي كليم، وكل واحد منهما مخصوص لصفة خرج بها عن حكم عوام البشر ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص من أثره الله واختصاصه إياه، فالمطالبة بالتسوية (بيننا) وبينهم فيما تنازعناه من هذا الشأن حتى يكون ذلك على أحكام طباع الآدميين، وقياس أحوالهم غير واجبة في حق النظر، ولله عز وجل لطائف وخصائص يخص بها من يشاء من أنبيائه وأوليائه ويفردهم بحكمها دون سائر خلقه، وقد أعطى موسى النبوة واصطفاه بمناجاته وكلامه، وأمده حين أرسله إلى