قال: من آبائهم. قلت: بلا عمل، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين.
فاحتيج من أجل ذلك في حديث أبي هريرة إلى التأويل والتخريج لتتفق الأحاديث كلها ولا تتضاد وتختلف، فكان المعنى الذي تضمنه الخبر: أن كل مولود من البشر إنما يولد في أول مبدأ الخلق وأصل الجبلة على الفطرة السليمة والطبع المتهيئ لقَبول الدين، فلو ترك عليها وخلي وسَوْمَها لاستمر على لزومها ولم ينتقل عنها إلى غيرها، وذلك أن هذا الدين باد حسنه في العقول، ويسره في النفوس، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره ويؤثره عليه لآفة من آفات النشؤ [النشوء] والتقليد، ولو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ولم يختر عليه ما سواه، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم، فيزولون بذلك عن الفطرة السليمة وعن المحجة المستقيمة.
وحاصل المعنى من هذا الحديث: إنما هو الثناء على هذا الدين، والإخبار عن محله من العقول وحسن موقعه من النفوس،