للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- رسولًا إليهم، فأنكروا رسالته، وأنكروا البعث بعد الموت.

قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ}؛ أي: من لحومهم ودمائهم وشعورهم، لا يَعْزُبُ ذلك عن علمه، ثم قال: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤)}.

حافِظُ لِعِدَّتِهِمْ وأسْمائِهِمْ، وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، و"كِتابٌ" رفع على خبر الظرف.

قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، يعني القرآن {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أي: مختلط ملتبس مختلف، وأصل المَرْجِ: الاضْطِرابُ والقَلَقُ، يقال: مَرَجَ أمْرُ النّاسِ، ومَرَجَ الدِّينُ، ومَرَجَ الخاتَمُ فِي إصْبَعِي أي: قَلِقَ من الهُزالِ (١)، وفي الحديث: "مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأماناتُهُمْ" (٢).

ومعنى الآية أنهم قالوا: هو كاهن، ومنهم من قال: هو ساحر، ومنهم من قال: هو شاعر، ومنهم من قال: هو مجنون، وللقرآن: إنه سِحْرٌ، ومرة يقولون: رِجْزٌ، ومرة يقولون: مُفْتَرًى، فالْتَبَسَ القولُ عليهم حتَّى اختلفوا فِي أمْرِهِ (٣).

ثم دَلَّهُمْ على قدرته على البعث بعظيمِ خَلْقِهِ، فقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} يعني: أفلا ينظرون هؤلاء المشركون الذين أنكروا البعث،


(١) قاله ابن قتيبة والنقاش، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤١٧، شفاء الصدور ورقة ٤٦/ ب، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ١١/ ٧٢، تفسير القرطبي ١٧/ ٥.
(٢) هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال لِي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف أنت إذا بَقِيتَ في حُثالةٍ من الناس؟ قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف ذاك؟ قال: "إذا مَرَجَتْ عُهُودُهُم وأماناتهم. . . إلخ". المسند ٢/ ١٦٢، ٢١٢، ٢٢٠، ٢٢١، ورواه ابن ماجه في سننه ٢/ ١٣٠٧ كتاب الفتن: باب التثبت في الفتنة.
(٣) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٤٢، وينظر: الكشف والبيان ٩/ ٩٤، الوسيط ٤/ ١٦٣، القرطبي ١٧/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>