للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} يعني: بُرِّزَتْ وقُرِّبَتْ منهم {غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)} نصب على الحال، يعني: ينظرون إليها قبل دخولها غير متباعدين، ويقال لهم: {هَذَا} الذي تَرَوْنَهُ {مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢)} راجِعٍ عن معاصي اللَّه، حَفِيظٍ يَحْفَظُ ذُنُوبَهُ حتَّى يرجع عنها، ويستغفر لها، وقرأ ابن كثير: {يُوعَدُونَ} بالياء (١).

قوله: {مَنْ خَشِيَ} يعني الأواب الحفيظ؛ أي: هو {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} يعني: خافَهُ وأطاعَهُ، ولَمْ يَرَهُ {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)} مخلص راجع عن معاصي اللَّه إلى طاعة اللَّه.

وفي محل "مَنْ" مِن الإعراب وجهان (٢): الخفض على البدل من "حَفِيظٍ"، والرفع على الاستئناف، والخبر في قوله: {دْخُلُوهَا بِسَلَامٍ}؛ أي: يُقالُ لهم: ادخلوا الجنة بسلامة من الهموم والعذاب {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)} يعني: في الجنة؛ لأنَّهُ لا مَوْتَ فيها {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)} يزيدهم اللَّه تعالى من عنده ما لَمْ يَسْألُوهُ، رُوِيَ عن عَلِيِّ بنِ أبِي طالبٍ -كَرُّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قال: "يَتَجَلَّى الرَّبُّ لَهُمْ" (٣).

ثم خَوُّفَ كُفّارَ مكة، فقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ


(١) وهذه قراءة أبِي عمرو أيضًا، ينظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٢٠، البحر المحيط ٨/ ١٢٦، النشر ٢/ ٣٧٦.
(٢) الوجهان قالهما الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن ٣/ ٧٩، إعراب القرآن ٤/ ٢٣٠ - ٢٣١، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٢١، البيان للأنباري ٢/ ٣٨٧، التبيان للعكبري ص ١١٧٦، الفريد ٤/ ٣٥٥ - ٣٥٦، البحر المحيط ٨/ ١٢٦.
(٣) ينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ١٦٩، وذكره الهيثمي عن أنس في مجمع الزوائد ٧/ ١١٢ كتاب التفسير: سورة ق، وينظر: فتح الباري ١٣/ ٣٦٤، الدر المنثور ٦/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>