للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} عني الذي ذُكِرَ من إهْلَاكِ القُرَى {لَذِكْرَى} تذكرة وموعظة {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قال ابن عباس: عقل، قال الفراء (١): وهذا جائز في العربية أن تقول: ما لَكَ قَلْبٌ، وما قَلْبُكَ مَعَكَ؛ أي: ما عَقْلُكَ مَعَكَ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}؛ أي: استمع ما يُقالُ له، يقال: ألْقِ سَمْعَكَ إلَيَّ؛ أي: اسْتَمِعْ مِنِّي (٢) {وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)} شاهد بالقلب والفهم ليس بِغافِلٍ ولا ساهٍ.

واختلف العلماء في ماهِيّةِ العَقْلِ، قيل: هو الغَرِيزةُ، وقيل: هو نُورٌ، وقيل: هو قُوّة يُفْصَلُ بِها بين حقائق المعلومات، وقيل: هو نوع من المعلومات الضرورية، وقيل: هو جَوْهَرٌ بَسِيطٌ، وقيل: هو جسم شَفّافٌ، كما قيل في الرُّوحِ: إنه جسم لطيف يَسْكُنُ البَدَنَ.

وأصل العَقْلِ: الامْتِناعُ، يقال: عَقَلْتُ النّاقةَ؛ أي: مَنَعْتُها من السَّيْرِ، وسُمِّيَ العَقْلُ عَقْلًا لأنَّهُ يَمْنَعُ من فِعْلِ القَبِيحِ، واختلفوا في مَحَلِّهِ، فمنهم من قال: مَحَلُّهُ القَلْبُ، وهو مذهب الشافعيِّ -رحمه اللَّه تعالى-، لقوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (٣) وقوله هاهنا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}؛ أي: عَقْلٌ، فَعَبَّرَ عنه لأنَّهُ محله، ومنهم من قال: مَحَلُّهُ الدِّماغُ، وهو قول أبِي حنيفة -رحمه اللَّه-، ومنهم من قال: هو مُشْتَرَكٌ بين الرأس والقلب، هكذا ذكره ابن الجَوْزِيِّ في كتاب الأذكياء (٤)، واللَّه أعلم.


= رواية الأصمعي عنه: "فنَقِّبُوا" على الأمر، ينظر: السبعة ص ٦٠٧، مختصر ابن خالويه ص ١٤٥، المحتسب ٢/ ٢٨٥، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٢، البحر المحيط ٨/ ١٢٧.
(١) معانِي القرآن ٣/ ٨٠.
(٢) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٤٩، وينظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٢٣.
(٣) الحج ٤٦.
(٤) أخبار الأذكياء لابن الجوزي ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>