للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}؛ أي: بِقُوّةٍ، كقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ} (١) أي: ذا القُوّةِ فِي العبادة، والمعنى: رَفَعْناها، وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء (٢)، {إِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)} لَذَوُو سَعةٍ لِخَلْقِنا، والمعنى: لقادرون على رزقهم لا نعجز عنه، والمُوسِعُ: ذُو الوُسْعِ والسَّعةِ.

قوله: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا}؛ أي: بَسَطْناها، نظيره: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} (٣)، وقد تقدم في سورة ق {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} قال ابن عباس: نِعْمَ ما وَطَّأْتُ لِعِبادِي {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صِنْفَيْنِ ونَوْعَيْنِ كالسماء والأرض، والشمس والقمر، والبَرِّ والبَحْرِ، والنُّورِ والظُّلْمةِ، والحُلْوِ والمُرِّ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} أي: لكي تتعظوا، فتعلموا أن خالق الأزواج واحِدٌ أحَدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} يريد: بالتوبة من ذنوبكم، والمعنى: فِرُّوا من الكفر والعصيان إلى الطاعة والإيمان، والْجَأُوا إلى اللَّه، وفارِقُوا ما أنتم عليه من المَظالِمِ والمعاصي {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)} أنذِرُكُم العقابَ على الكفر والمعصية، وأصل الفرار البُعْدُ من الشيء، وقال شُرَيْكٌ (٤): فِرُّوا منه إليه، قال الشاعر:

٢٨٣ - مِنْهُ إلَيْهِ يَفِرُّ العالِمُونَ بِهَ... وَأيْنَ إلَّا إلَيْهِ يَلْجَأُ اللّاجِئُ؟ (٥)


(١) ص ١٧.
(٢) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٥٩/ ب.
(٣) الحجر ١٩، وق ٧.
(٤) هو شُرَيْكُ بن عبد اللَّه بن الحارث النَّخْعِيُّ، أبو عبد اللَّه الكوفِي، عالِمٌ بالحديث والفقه، اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته، استقضاه المنصورُ على الكوفة سنة (١٥٣ هـ) ثم عزله، وكان عادلًا في قضائه، وُلِدَ ببُخارَى، وتُوُفِّيَ بالكوفة سنة (١٧٧ هـ). [تهذيب الكمال ٤٦٢: ٤٧٥، الأعلام ٣/ ١٦٣].
(٥) البيت من البسيط، لَمْ أقف على قائله.
التخريج: شفاء الصدور ورقة ٦١/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>