للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} قرأ العامة بكسر النون مضافة إلى اللَّه، وقرأ بعض أهل الشام بنصب النون (١)، قال: ولو كان بالكسر ما عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ؛ لأن مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَهُ، ومِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ، قال المفسرون (٢): هذا خاصٌّ لأهل طاعته، يعني: مَنْ آمَنَ مِنَ الفريقين، وفي قراءة أُبَيٍّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٣)، والمعنى: إلا لِيَخْضَعُوا إلَيَّ ويَتَذَلَّلُوا، ومعنى العبادة في اللغة: الذُّلُّ والانْقِيادُ.

{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}؛ أي قُوّةٍ، وقيل: أُجْرةٍ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) أي: ما أريد منهم أن يَرْزُقُوا أحَدًا من خَلْقِي، ولا أن يُطْعِمُوا أحَدًا من خَلْقِي، وإنما أسْنَدَ الإطْعامَ إلى نفسه، لأن الخَلْقَ عِيالُ اللَّهِ، فمن أطْعَمَ عِيالَ اللَّهِ فقد أطْعَمَهُ، وهذا كما يُرْوَى أن اللَّه يقول: "عَبْدِي: اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي" (٤)، أي: فَلَمْ تُطْعِمْ عَبْدِي.

ثم بَيَّنَ أن الرَّزّاقَ هو لا غيره، فقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} لهم المُطْعِمُ {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)} قرأه العامة برفع النون على أنه خبر بعد خبر لـ "إنّ"،


(١) هذه القراءة ذكرها النقاش بغير عزو، ثم قال: "فمعنى فَتْح النونِ: إلّا لِلْعِبادةِ يَعْبُدُونَ، فَعَمَلُ اللامِ في العبادة المحذوفةِ، لا في قوله: {يَعْبُدُونَ}، وقد يُحْذَفُ الشَّيْءُ، والمعنى فيه الإثباتُ، كقوله: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}، المعنى: فَضَرَبَ فانْفَلَقَ، ومثله كثير في القرآن". شفاء الصدور ورقة ٦٢/ أ، ٦٢/ ب.
(٢) ينظر قولهم في الوسيط ٤/ ١٨١.
(٣) هذه قراءة ابن عباس، ورَواها هو عن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولَمْ أقف على أنها قراءة لأُبَيٍّ، ينظر: مختصر ابن خالوبه ص ١٤٦، تفسير القرطبي ١٧/ ٥٥، البحر المحيط ٨/ ١٤١.
(٤) هذا جزء من حديث رواه الإمام مسلم بسنده عن أبِي هريرة في صحيحه ٨/ ١٣ كتاب البر والصلة: باب فضل عيادة المريض، ورواه ابن راهويه في مسنده ١/ ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>