للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لَمّا أُسْرِيَ به، وهو مَطْلِعُ الشمس، قُلْتُ: فعلى هذا التأويل يليق به معنى مذهب الفراء، وقد ذكره ابن الأنباري فِي الوقف والابتداء (١).

قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)} المعنى واحد؛ لأن معناه: قَرُبَ، كما تقول: فَدَنا فُلَانٌ مِنِّي وقَرُبَ، والمعنى: دَنا جبريلُ عليه السّلام من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢)، فَتَدَلَّى إليه من السماء، وذلك ليلةَ أُسْرِيَ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السماء السابعة {فَكَانَ} منه {قَابَ قَوْسَيْنِ} يعني: قَدْرَ ما بَيْنَ طَرَفَيِ القَوْسِ مِنْ قِسِيِّ العرب {أَوْ أَدْنَى (٩)} يعني: أو أقرب، وقيل: هو ما بين كَبِدِ الوَتَرِ وكَبِدِ القَوْسِ أو أدْنَى من ذلك، وهو قول مجاهد (٣)، وقيل: القابُ: نِصْفُ إصْبَعٍ، وقيل: ذِراعٌ.

والتَّدَلِّي على ثلاثة أوجه، أحدها: هذا، وهو من الدُّنُوِّ والقُرْبِ، والثانِي قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} (٤)؛ أي: أوْقَعَهُما على أكْلِ الشجرة، والثالث: التَّدَلِّي من فَوْقٍ إلى أسْفَلَ (٥).


(١) إيضاح الوقف والابتداء ص ٩١٠، ٩١١.
(٢) قال الفراء: "يعني: دَنا جبريلُ -صلى اللَّه عليه وسلم- من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . وقوله، تبارك وتعالى: {فَتَدَلَّى} كَأنّ المعنى: ثم تَدَلَّى فَدَنا، ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدًا أو كالواحد، قَدَّمْتَ أيَّهُما شِئْتَ فقلتَ: قد دَنا فَقَرُبَ، وقَرُبَ فَدَنا". معانِي القرآن ٣/ ٩٥، وذكره الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٧٠، وقال النحاس: "وهذا غلط، لأن حكم الفاء خلاف حكم الواو؛ لأنها تدل على أن الثانِيَ بعد الأول، فالتقدير: ثم دَنا فَزادَ في القُرْبِ". إعراب القرآن ٤/ ٢٦٧، وينظر: شفاء الصدور ٦٩/ أ.
(٣) تفسير مجاهد ٢/ ٦٢٧ - ٦٢٨، وينظر أيضًا: شفاء الصدور ورقة ٦٩/ ب، المحرر الوجيز ٥/ ١٩٧، تفسير القرطبي ١٧/ ٩٠.
(٤) الأعراف ٢٢.
(٥) من أول قوله: "والتدلي على ثلاثة أوجه" قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٦٩/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>