للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك المَقامِ المُعَظَّمِ، إذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جانبًا، ولَمْ يُمِلْ بَصَرَهُ يمينًا ولا شمالًا، ولَمْ يَمُدَّهُ أمامَهُ إلى حيث ينتهي بصره.

قوله: {لَقَدْ رَأَى} يعني: تلك الليلةَ {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} يعني الآياتِ العظامَ التي رآها تلك الليلةَ، وقيل: رأى جِبْرِيلَ عليه السّلام في صورته التي خُلِقَ عليها، له سِتُّمِائةِ جَناحٍ قد سَدَّ أُفُقَ السماءِ.

قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ} يا أهل مكة {اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} هذه أسماءُ أصنامٍ اتخذوها آلهةً، فعبدوها من دون اللَّه، واشْتَقُّوا لها أسماءً من أسماء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فقالوا: اللَّاتُ من اللَّهِ، والعُزَّى من العَزِيزِ، واللَّات: صَنَمٌ كان لِثَقِيفٍ بالطائف، والعُزَّى لِغَطَفانَ، ومَناةُ لِخُزاعةَ وهُذَيلٍ.

وأصل اللَّات لَاوَهٌ، والتاء للتأنيث (١)، والعُزَّى تأنيث الأعَزِّ كالصُّغْرَى، وهي بمعنى العزيز (٢)، وكانت سَمُرةً (٣) بِنَخْلةٍ لِغَطَفانَ يعبدونها من دون اللَّه، فَبَعَثَ إليها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خالِدَ بن الوليد، فقطعها وقال:

٢٩٥ - يا عُزَّ كُفْرانَكِ لَا سُبْحانَكِ


(١) قال الفارسي: "فأما اشتقاق اللات فمن: لَوَيْتُ؛ لأنهم كانوا يَلْوُونَ على آلهتهم، ويعطفون عبادةً لها وتَقَربًا إليها، ويقال: لَوَى عَلَيْهِ وعَطَفَ عَلَيْهِ. . . فكأنّ اسمها اشْتُقَّ من هذا المعنى". الإغفال ٢/ ٥٣٥، وقال الزمخشري: "وهي "فَعَلةٌ" من: لَوَى؛ لأنهم كانوا يَلْوُونَ عليها، ويَعْكُفُونَ للعبادة". الكشاف ٤/ ٣٠، وينظر: البحر المحيط ٨/ ١٥٨.
(٢) قاله الأزهري في التهذيب ١/ ٨٥، وينظر: سر صناعة الإعراب ص ٣٦٣، ٣٦٤، الصحاح ٣/ ٨٨٦.
(٣) السَّمُرةُ من شجر الطَّلْحِ، والجمع سَمُرٌ وسَمُراتٌ. اللسان: سمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>