للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) أي: جماعة لا تُرامُ ولا تُضامُ، ننتصر على أعدائنا، و"نَحْنُ" مبتدأ، و"جَمِيعٌ" توكيد، و"مُنْتَصِرٌ" خبره (١)، والمعنى: نَحْنُ يَدٌ واحدةٌ على مَنْ خالَفَنا، وكان حقه: مُنْتَصِرُونَ، فَتَبِعَ رُؤُوسَ الآيِ، وَوُحِّدَ في اللفظ وإن كان اسْمًا للجماعة كالرَّهْطِ والجيش (٢).

قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} يعني جَمْعَ كُفّارِ مكة {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)} يعني: ينهزمون، فَيُوَلُّونَكُمْ أدْبارَهُمْ، وكان ذلك يَوْمَ بَدْرٍ، وإنما وَحَّدَ الدُّبُرَ ولَمْ يقل: الأدْبار لأجل رُؤُوسِ الآيِ أيضًا، كما يقال: ضَرَبْنا منهم الرُّؤوسَ، وضَرَبْنا منهم الرَّأْسَ، إذْ كان الواحد يُؤَدِّي عن معنى الجميع (٣).

ثم قال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} يعني أن موعدهم الجَمْعُ للعذاب يوم القيامة {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى} أعظم فِي الضرر وأفظع، مأخوذ من الدهاء، وهو النُّكْرُ والفظاعة {وَأَمَرُّ (٤٦)} أشَدُّ مَرارةً من القَتْلِ والأسْرِ فِي الدنيا.

قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} يريد القَدَرِيّةَ {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)} نارٍ مُسَعَّرةٍ،


(١) "جَمِيعٌ" هنا ليس توكيدًا، وإنما هو خبر المبتدأ، وهو بمعنى مُجْتَمِعُونَ، قال ابن منظور: "وقول أُمَيّةَ الهُذَلِيِّ:
أُولَئِكَ آبائِي، وَهُمْ لِيَ ناصِرٌ... وَهُمْ لَكَ إنْ صانَعْتَ ذا مَعْقِلُ
أراد: جَمْعٌ ناصِرٌ كقوله تعالى: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}. اللسان: نصر، وقال الرازي: "والجميع: الجيش، والجميع: الحَيٌّ المجتمع، قلتُ: ومن أحدهما قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} ". مختار الصحاح: جمع.
(٢) قال النحاس: " {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} على اللفظ، ولو كان على المعنى قيل: منتصرون". إعراب القرآن ٤/ ٢٩٩، وينظر: الكشف والبيان ٩/ ١٦٩، الوسيط ٤/ ٢١٣.
(٣) قاله الفراء في معاني القرآن ٣/ ١١٠، وينظر: التهذيب ١٤/ ١١٠ - ١١١، الكشف والبيان ٩/ ١٧٠، زاد المسير ٨/ ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>