للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عُمَرَ بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جَمَعَ اللَّهُ الخَلَائِقَ يومَ القيامة، أمَرَ مُنادِيًا فَنادَى نِداءً يسمعه الأوَّلُونَ والآخِرُونَ: أيْنَ خُصَماءُ اللَّهِ؟ فيقوم القَدَرِيّةُ فَيُؤْمَرُ بهم إلى النار"، يقول اللَّه: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (١)، وإنما سُمُّوا خُصَماءَ اللَّه لأنهم يقولون: يَكْتُبُ علينا المعاصيَ ثم يُعَذِّبُنا؟ هذا ما لا يكون، فبهذا يُخاصِمُونَ فِي أنه لا يجوز أن يُقَدِّرَ المعصيةَ على العبد، ثم يُعَذِّبُهُ عليها.

ورُوِيَ عن الحسن أنه قال (٢): "واللَّهِ لو أنّ قَدَريًّا صامَ حتى يصير كالحَبْلِ، ثم صام حتى يصير كالوَتَرِ، ثم أُخِذَ ظُلْمًا وَزُورًا حتى ذُبِحَ بين الرُّكْنِ والمَقامِ، لَكَبَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على وجهه في سَقَرَ، ثم قيل له: ذُقْ مَسَّ سَقَرَ، إنّا كُل شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ".

{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)} يعني: وما أمْرُ الساعةِ في جميع ما نريده إلا واحدة، أن نقول له: كُنْ فَيَكُونُ، وقيل: معناه: وما أمْرُنا إلّا أمْرٌ واحِدٌ، فدخلت الهاء في نعت المذكر، قاله الخليل (٣)، ثم قال: {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}؛ أي: كَخَطْفٍ بالبَصَرِ، ومعنى اللَّمْحِ: أوَّلُ النظر وأسْرَعُهُ، ومعنى الآية: إن قضائي في خلقي أسرعُ من لَمْحٍ البصر.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} يريد: أشباهكم ونُظَراءَكُمْ في


(١) رواه ابنُ أبِي عاصم في كتاب السنة ص ١٤٨، والطبرانِيُّ في الأوسط ٦/ ٣١٧، ٧/ ١٦٢، وينظر: الوسيط ٤/ ٢١٥، مجمع الزوائد ٧/ ٢٠٦ كتاب القَدَرِ: باب ما جاء فيمن يُكَذِّبُ بالقَدَرِ.
(٢) ينظر قوله في الوسيط ٤/ ٢١٤، زاد المسير ٨/ ١٠٢.
(٣) الجمل المنسوب للخليل ص ٢٧٣، ولفظه: "معناه: أمْرُنا أمْرةٌ واحِدةٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>