للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)} مَصُونٍ مَسْتُورٍ من خَلْقِهِ عند اللَّه في اللَّوْحِ المحفوظ {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} قال أكثر المفسرين (١): الكناية فِي قوله: {لَا يَمَسُّهُ} تعود إلى الكتاب المكنون، والمُطَهَّرُونَ هم الملائكة الذين طُهِّرُوا من الذنوب، قال: لا يَمَسُّ ذلك اللَّوْحَ المحفوظَ إلا الملائكةُ الذين وُصِفُوا بالطهارة من الذنوب، وذهب قوم إلى أن الضمير يعود إلى القرآن، والمراد به المُصْحَفُ، سَمّاهُ قُرْآنًا على قُربِ الجِوارِ والاتِّساعِ (٢)، كالخبر الصحيح: "أنّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أنْ يُسافَرَ بِالقُرْآنِ إلَى أرْضِ العَدُوِّ" (٣)، يَعْنِي به المُصْحَفَ.

وأراد بقوله: "المُطَهَّرُونَ"، يعني: من الأحْداثِ والجَناباتِ والنَّجاساتِ، وقالوا: لا يجوز لِلْمُحْدِثِ والجُنُبِ والحائِضِ مَسُّ المُصْحَفِ. وبه قال مالك والشافعيُّ وطاوُوسُ (٤) وغَيْرُهُمْ من أهل العلم (٥)، بدليل ما رَوَى عَبْدُ الِله بن


(١) ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١٢٩، ١٣٠، جامع البيان ٢٧/ ٢٦٦، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١١٦، الكشف والبيان ٩/ ٢١٩، الوسيط ٤/ ٢٣٩، المحرر الوجيز ٥/ ٢٥١.
(٢) قاله الشريف المرتضى في أماليه ١/ ٤٢٧، وذكره الثعلبي في الكشف والبيان ٩/ ٢١٩، وينظر: الوسيط ٤/ ٢٣٩.
(٣) رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر في المسند ٢/ ٧، ٥٥، ١٢٨، والبخاري في صحيحه ٤/ ١٥ كتاب الجهاد: باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، ورواه مسلم في صحيحه ٦/ ٣٠ كتاب الإمارة: باب النهي أن يُسافَرَ بالمصحف إلى أرض الكفار.
(٤) هو طاوُوسُ بن كَيْسانَ، أبو عبد اللَّه اليمانِيُّ الخَوْلَانِيُّ الهَمْدانِيُّ بالولاء، من أكابر التابعين تفقّها في الدين وروايةً للحديث، أصله من الفرس، ومولده ونشأته باليمن، وتوفِّي حاجًّا سنة (١٠٦ هـ)، وكان يأبَى القُرْبَ من الملوك والأمراء. [تهذيب الكمال ١٣/ ٣٥٧ - ٣٧٤، سير أعلام النبلاء ٥/ ٣٨ - ٤٩، الأعلام ٣/ ٢٢٤].
(٥) الموطأ ١/ ١٩٩، وينظر: المجموع للنووي ٢/ ٦٥، ٦٧، ٦٨، ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>