للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُهُ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}؛ أي: أحْدَثُوها، مأخوذ من الرَّهْبةِ، وهي نصب بإضمار فعل؛ أي: وابْتَدَعُوا رَهْبانِيّةً، لَمْ نَكْتُبْها علمِهم، وليس بعطف على ما قبله (١)، وقيل (٢): هو معطوف على الأول، وقوله: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}؛ أي: ما فَرَضْناها عليهم، وفي مصحف أبَيٍّ: "ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ وَلَكِنِ ابْتَدَعُوها" (٣) يعني الرَّهْبانِيّةَ {إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} نصب على الاستثناء الذي ليس من الأول، ويجوز أن يكون بدلًا من المضمر في {كَتَبْنَاهَا} (٤).

وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} يريد: حين ضَيَّعُوها، وكَفَرُوا بِدِينِ عِيسَى عليه السلام، فَتَهَوَّدُوا وتَنَصَّرُوا، ودخلوا في دِينِ مُلُوكِهِمْ، وتَرَكُوا التَّرَهُّبَ، وأقام منهم أُناسٌ على دين عيسى حتى أدركوا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك قوله تعالى: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧)} يعني الذين تَهَوَّدُوا وتَنَصَّرُوا.


(١) هذا قول الزجاج وابن الأنباري والنحاس والفارسي، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٣٠، إيضاح الوقف والابتداء ص ٩٢٦، إعراب القرآن ٤/ ٣٦٧، المسائل الشيرازيات ص ٣٠٥، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ٦/ ٢٩١، التبيان للعكبري ص ١٢١١، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٦٣، مغني اللبيب ص ٧٥١ - ٧٥٢.
(٢) هذا القول ذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن ٤/ ٣٦٧، وجوزه الزمخشريُّ فقال: "ويَجُوزُ أن تكون الرهبانية معطوفة على ما قبلها، و"ابْتَدَعُوها" صفة لها في محل النصب؛ أي: وجعلنا في قلوبهم رَأْفةً ورَحْمةً، ورَهْبانِيّةً مُبْتَدَعةً من عندهم، بمعنى: وَفَّقْناهُمْ لِلتَّراحُمِ بينهم ولابْتِداعِ الرَّهْبانِيّةِ واسْتِحْداثِها، ما كَتَبْناها عليهم إلّا لِيَبْتَغُوا بها رِضْوانَ اللَّهِ". الكشاف ٤/ ٦٨، وينظر: التبيان للعكبري ص ١٢١١، الفريد ٤/ ٤٣٦، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٦٣، البحر المحيط ٨/ ٢٢٦.
(٣) ينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص ٩٢٦، شواذ القراءة للكرمانِي ورقة ٢٣٥.
(٤) ينظر في هذين الوجهين: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٣٠، إعراب القرآن ٤/ ٣٦٨، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٦١، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>