ثم ذكر أنه لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، فقال تعالى:{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ} يريد: من المَوَدّةِ للكفار {وَمَا أَعْلَنْتُمْ}؛ أي: ما أظهرتم بألسنتكم {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} يعني: من الإسْرارِ والإلْقاءِ إلَى الكفار، وهو شرط {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١)}؛ أي: أخْطَأ طَرِيقَ الهُدَى، وهو جواب الشرط.
ثم أخبر اللَّه تعالى بعداوة الكفار، فقال:{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ}؛ أي: يَظْفَرُوا بكم، وهو شرط {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} جواب الشرط {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالضرب {وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} يعني: بالشتم، ونُصِبَ {وَيَبْسُطُوا} عَطْفًا على الجواب، ثم قال تعالى:{وَوَدُّوا} يعني كفار مكة {لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)} كما كفروا، {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} يعني: قَراباتُكمْ {وَلَا أَوْلَادُكُمْ} التي بمكة بِالتَّقَربِ إليهم بِنَقْلِ أخبار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} فَيُدْخِلُ اللَّهُ أهْلَ طاعَتِهِ والإيمانِ به الجنةَ، ويُدْخِلُ أهْلَ معصيته والكفرِ به النارَ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)} يعني: بِما عَمِلَ حاطِبٌ من مُكاتَبةِ أهْلِ مكة حين أخْبَرَ نَبِيَّهُ بذلك.
(١) قرأ عاصم ويعقوب والحسن والأعمش: {يَفْصِلُ}، وقرأ ابن عامر وعيسى بن عمر والأعرج وهشام وابن ذكوان: {يَفْصِلُ}، مشددًا مبنئا للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي وخلف وطلحة والأعمش وابن وثاب والنخعي: {يَفْصِلُ} مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا للفاعل، وقرأ المُفَضَّلُ عن عاصم، وأبو عمرو وابن كثير ونافع وأبو جعفر، وهشامٌ في روايةٍ عنه، وابنُ محيصن واليزيديُّ ويعقوبُ: "يُفْصَلُ" مخفّفًا مبنيًّا للمفعول، ينظر: السبعة ص ٦٣٣، تفسير القرطبي ١٨/ ٥٥، البحر المحيط ٨/ ٢٥٢، النشر ٢/ ٣٨٧، الإتحاف ٢/ ٥٣٣، ٥٣٤.