للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان السبب لِنُزُولِ هذه الآية أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يَتَمَنَّوْنَ القتالَ قَبْلَ أنْ يُؤْمَرُوا به، فلما رَأوْهُ كَرِهُوهُ، فنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}؛ أي: عَظُمَ بُغْضًا عند اللَّه، نصب على التمييز {أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)} قال الكِسائِيُّ (١): {أَنْ} في موضع رفع بالابتداء، أو على إضمار مبتدأ، لأن {كَبُرَ} بمَنْزِلةِ قولك: بِئْسَ رَجُلًا أخُوكَ، وأضْمَرَ الفَرّاءُ فيه اسمًا مرفوعًا (٢)، وقيل (٣): مَحَلُّهُ رفع، لأنه فاعل بـ {كَبُرَ}، تقديره: كَبُرَ قَوْلُكُمْ، والمَقْتُ والمَقاتةُ مصدران، يقال: رَجُلٌ مَمْقُوتٌ ومَقِيتٌ: إذا لَمْ يُحِبَّهُ الناسُ (٤).

قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ


(١) ذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن ٤/ ٤١٩، وصرح الثعلبيُّ بنسبته للكسائي في الكشف والبيان ٩/ ٣٠٣، وكذا القرطبي في تفسيره ١٨/ ٨١، وإذا كان "أنْ تَقُولُوا" مبتدأ، فالخبر إما أن يكون جملة {كَبُرَ مَقْتًا}، والمعنى: قَوْلُكُمْ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا، وإما أن يكون خَبَرَ ابْتِداءٍ محذوف؛ أي: هُوَ قَوْلُكُمْ ما لا تَفْعَلُونَ، وعلى هذين الوجهين فَفاعِلُ {كَبُرَ} ضمير مستتر، والتقدير: كَبُرَ المَقْتُ مَقْتًا، ينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٧٣، الفريد للهمداني ٤/ ٤٦١.
(٢) قال الفراء: "وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}، أضمر في {كَبُرَ} اسمًا يكون مرفوعًا، وأما قوله: "كَبُرَتْ كَلِمة"، فإن الحسن قرأها رفعًا؛ لأنه لَمْ يُضْمِرْ شيئًا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر في "كَبُرَتْ" اسمًا يُنْوَى به الرفعُ". معانِي القرآن ٣/ ١٥٣.
(٣) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٦٣، وأجازه ابن عطية في المحرر الوجيز ٥/ ٣٠١.
(٤) هذا القول حكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة ٩/ ٦٦، ونسبه أبو حيان للمبرد في البحر المحيط ٨/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>